"حكمنا عليك بالإعدام وسينّفذ الحكم خلال 4 أشهر". هذا ما "نطق" به الطبيب حين أبلغني بنتائج "الخزعة" التي أُخذت من البنكرياس للتأكّد من وجود ورمٍ سرطاني من عدمه. حدث ذلك منذ ستة أشهر. يومذاك لم أستوعب ما قاله لي الطبيب. ظننت أنه يقول لي إن الألم في بطني سيدوم 4 أشهر.
لكنه، لم يكن كذلك. فجأة، عاد بي شريط الذاكرة إلى مشهد من فيلم "epidemic"، حين واجه الطبيب مات ديمون بالقول إن زوجته قد توفيت، ليردّ عليه الأخير بالقول: "حسناً، ولكن عليّ أن أتكلم معها".

المرحلة الأولى: لم يكن مجرّد ألم

هكذا هي الصدمة، ففي المرحلة الأولى، يكون ردّ الفعل نكران كل ما يقال، ربما، سمعت الكثير عن هذا المرض وربما عايشت "أحداثه" مع بعض أصدقائي الذين أصيبوا وتوفوا به بعد ذلك، ولكن كانوا دائماً هم "الآخر"، أسمع قصصهم وأتألم في سرّي لموتهم بـ"هيداك المرض". لكن، مع ذلك، كنت أشعر بأنّها قصص تخصّهم وبعيدة عني. كنت دائماً أفكّر بأنّ هذا لن يحدث لي. فأنا لا أعاني من شيء. كل ما حدث معي هو مجرّد ألم، ولم أكن أتصوّر أن يتحوّل هذا الشيء إلى "هيداك" المرض.
كنت أسترجع كل تلك الهلوسات، فيما الطبيب يكمل خلاصة حكمه "مرضك هو سرطان البنكرياس، وقد امتد إلى الكبد أيضاً، وهو من الدرجة الرابعة".

المرحلة الثانية: بداية المشوار

هذا النوع من السرطان يمكن التعامل معه، ولكن لا يمكن معالجته. هذا ما استنتجته من مجمل قراءاتي عنه، فالمعدّل المئوي للذين يعيشون أكثر من عام هو 29%. هذا الحد الأقصى لما هو مسموح به على قيد الحياة. قلة من يملكون الحظ بالعيش فترة أطول، وهم بالكاد يبلغون 7% لمن يشفع لهم الألم بالبقاء 5 سنوات إضافية.

هذا المرض ليس سهلاً، لا من الناحية النفسية ولا من الناحية المادية، فهو قاتل في الحالتين


بهذه الحقيقة، بدأت رحلة الأشهر الستة المنصرمة. قضيتها متنقلاً ما بين العيادات والمختبرات والمستشفيات وما بين زيارات الأقارب والأصدقاء الذين كانوا يريدون سماع قصتي، تماماً كما كنت أفعل أنا سابقاً. هكذا، صرت أنا "الآخرين"! ومع هذه الزيارات، بدأت أيضاً رحلة البحث عن كيفية "التعامل" مع مرض قاتل لا محالة. تلك الرحلة التي امتدت لتشمل بلداناً عدّة، منها أستراليا وألمانيا ولبنان وإيران والعراق والبرازيل ومصر والسعودية. لم يكن سهلاً هذا الأمر، سواء كان من الناحية النفسية أو من الناحية المادية، فهذا المرض قاتل في الحالتين. في الحالة الأولى، يصير الموت أقرب، فيما في الحالة الثانية، يصير الهاجس من أين أجلب المال كي أُشفى، خصوصاً أنه مكلف جداً، فإرسال عينة لفحص دم في ألمانيا، على سبيل المثال، سيكلّف 6300 دولار أميركي، أما الجرعات المكثّفة من الفيتامينات فلا تقل عن 1500 دولار أميركي، فيما الحقنة الأسبوعية في "بلاد الأرز" تكلّف ما بين 600 و800 دولار شهرياً. فضلاً عن تلك التي يتوسلها المريض درءاً للموت، منها مثلاً البحث عن نبتة Graviola في أقاصي البرازيل ونباتات أخرى من السعودية ومصر والزيارات الروحانية إلى مرقد الإمام الحسين في العراق ومار شربل في لبنان إلى طبيب روحاني في إيران. كل ذلك، سيضاف إليه حتماً العلاج الكيميائي. ووسط كلّ هذا، سيأتي من سيقول لك "جرب ذلك، فابن عمي عمل كذا ونجا". "أختي شربت كذا وشُفيت". وكلّما سمعت كلاماً كهذا، استعدت شيئاً من الأمل، الذي سرعان ما أفقده لصالح ذلك السؤال المؤرق: إذا كان هناك هذا العدد من الأشخاص الذين انتصروا على المرض بهذه الطرق، فلماذا لا تتم دراسة حالاتهم لتحويل أساليبهم لعلاج ممنهج ومبرمج؟
بين كلّ هذا الضجيج، كان علي وعلى أقاربي أن نبحث عمّا يمكن فعله لاستئناف حكم الطبيب لسنوات أخرى، لعله في السنوات القادمة، يأتي آخر ويأتي معه اكسير جديد.



*توضيح: النص مبني على تجربة صديق وليس تجربة شخصية