كلما احتفلت أنثى عازبة بعيد ميلادها الخامس والثلاثين، تراءى لها في شموع كعكة العيد أفراد أسرتها وصديقاتها والمجتمع يدفعنها للبحث عن شريك للزواج والحمل. وكلما عاودت الاحتفال بعيدها الأربعين، كان هوسها الأول تجميد البويضات للحفاظ على إمكانية الحمل والإنجاب. لم يحدث قط أن وضع المجتمع المرأة تحت هذا الضغط البيولوجي والمجتمعي تحت عنوان اكتمال شخصيتها ودورها بالأمومة. خرجت بعض النساء عن طاعة هذا القمع غير المبرر، بيد أن غالبيتهنّ يخضعن له دون مشورة واستئذان.
ارتبطت الخصوبة تاريخياً باستمرار الحياة والتناسل، كما تشهد وثائق الحضارات القديمة وكما تشهد أساطير مصر الفرعونية  على الإلهة "معت" أكثر الآلهة احتراماً وتقديساً، حيث اتخذ رمزها "آنخ" شكل الجندر الأنثوي. لم يختلف تبجيل الخصوبة عند الحضارات الفارسية وبلاد ما بين النهرين والهندية ورمز "الأرض الخصبة" و"الأرض الأم" وإيحاءات المجامعة والعلاقات الجنسية لغرض التناسل. ومن هذه الرموز، تسللت جذور كلمة الخصوبة الى اللغات الحديثة. من الطبيعي أن لا يرى العالم حينها غير مسألة التناسل والالتزام بها طريقاً وحيداً نحو الاستمرار والخلود.
لكن العالم تغير، وتغيرت معه مفاهيم عدة تتعلق بالحقوق الإنجابية والجنسية (مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية ١٩٩٤)، والمساواة والجندر وتعليم الفتيات ودخول المرأة أكثر وأكثر في سوق العمل. تغير كل شيء ولم يتغير ذلك المقياس داخل مجتمعاتنا التي لا تزال تقرن قيمة المرأة بعدد أطفالها (والذكور غالباً). 
تغير العالم وازداد معه التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتدنت معدلات الخصوبة. كلما تقدمت المرأة خطوة في التعليم والعمل، تراجعت الخصوبة خطوات. أصبحت الأمهات الجدد أكبر سنّاً على العموم وداهمت العزوبية عدداً من النساء داخل جامعاتهنّ وأماكن عملهنّ. 
لبنان ليس خارج هذه المعادلة. معدلات خصوبة منخفضة على انكماش في سوق الزواج وارتفاع عمر الزواج عند النساء والرجال لنواحي سن الثلاثين أو أكثر. تُترك النساء وحيدات في خضم هذا التحول الديموغرافي والاقتصادي المعقد بلا تثقيف حول الصحة الإنجابية والجنسية والحقوق ومحددات الخصوبة وعلاقتها بأعمارهنّ، ودور الطب وتقنيات الحمل المساعدة في كل ذلك. فبين متطلبات التعليم وتمكين المرأة وإنتاجيتها، وبين دورها كأم وربة أسرة، تتراكم الضغوط العائلية والمجتمعية وتزداد، وقد تدفع بالمرأة الى خيارات غير صائبة للارتباط والزواج، أو أن تصبح أماً رغماً عنها ورغم عدم جاهزيتها لهذا الدور.
لم يكد يمر على زواجها بضعة أشهر، حتى تُحمل العروس الى المراكز الطبية لمساعدتها على الحمل، مدفوعةً الى سرداب من الإجراءات الطبية غير الضرورية والتي قد تنتهي بها الى ازدراء من قبل المجتمع أو إلى طلاق ينهي الزواج، كما عرض هذا الواقع الفيلم اللبناني "لما حكيت مريم" الذى أنهى حياة الزوجين الى ما يشبه المأساة.
 "لازم تحبل أحسن ما تتطلق"، "قريبتها تزوجت قبلها بشهرين وحبلت"، يبدو الأمر للأهل على أنه معادلة بسيطة موحدة تتعلق فقط بالزوجة. ومرة أخرى تُحمّل الزوجة مسؤولية سمعة العائلة ومصير الزواج وتكاثر أجيال العائلات. يسهو عن بالهم أن مسألة الحمل تتوزع مهماتها مناصفة بين خصوبة الزوجة وخصوبة الزوج، وأنّ موضوع الحمل بحاجة الى وعي الزوجين وإدراكهما لمحدداته. لكنها الأسر دائماً ما ترافق العروسين الى غرف نومهم وخصوصيات حياتهم. 
تطور طب الإنجاب بشكل لافت وتطورت معه لغة إيجابية جديدة. لم تعد كلمة "عقم" و"عاقر" واردة في قاموس مشاكل الإنجاب، واستبدلت بـ"تدني الخصوبة" لتدلل على إمكانية كل الراغبين بقدرتهم على الحمل وتكوين أسرة. المطلوب ثقافة سليمة حول الخصوبة والحقوق الإنجابية وغير الإنجابية وذهنية الإنجاب والأمومة.
ليس دقيقاً أن من بلغت من العمر خمساً وثلاثين أنه "راحت عليها" ولا حتى من بلغت الأربعين "أن تنسى الموضوع". يفعل العمر بعض فعله في الخصوبة، يُنقصها لكنه لا يذهب بها، يؤثر عليها لكنه لا يلغيها. تمتع المرأة بخصوبتها لفترة مهمة من حياتها ولا يُفْسِد علمها وثقافتها وعملها وعمرها قدرتها على الإنجاب عندما ترغب وكيفما تشاء. هنا وبين ضفتي  الثلاثينيات والأربعينيات، لا يجب أن تغرق المرأة في تيار القَدَر البيولوجي ولا أن تستسلم لمسار الزواج تحت ضغط الإنجاب. خيارات التقنيات الطبية واسعة وإلى ازدياد، من تجميد البويضات والمبايض أو وهبهنّ، إلى تجميد الأجنة والاستنساخ، خيارات يحتاج بعضها الى نقاشات علمية ودينية وثقافية، لكنها حاصلة ومتاحة وتعد بالكثير.
الأمومة خيار وليست قدراً، وتدني الخصوبة عارض يُعالج لا علة مستديمة، وتبقى المرأة امرأة ما بقيت هذه الحياة. وليس من الأخلاق بشيء أن توضع النساء بين مطرقة الإنجاب كيفما كان وسندان الخيبة والشفقة أغلب الأحيان.
* اختصاصي جراحة نسائية وتوليد وصحّة جنسية