بدأ موسم الصيف وبدأت معه أعراض حمى «البروسيلا» (الحمى المالطية). هي عادة ترافق الحر وتأتي مصحوبة بأعراضٍ إذا لم يتم التنبّه لها قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. هذا الداء، الملازم للصيف، يعدّ واحداً من الأمراض البكتيرية التي تنتقل إلى الإنسان من خلال استهلاكه للحليب والأجبان والمثلجات المنتجة من حليب المواشي المصابة بجرثومة Brucella abortus. ولا يقتصر الأمر هنا على مشتقات الحليب، إذ يمكن التقاط العدوى من خلال تناول اللحوم النيئة.
لا تظهر عوارض البروسيلا بمجرّد تناول هذه الأطعمة «المصابة»، إذ تخبو لأسبوعين وثلاثة، قبل ظهورها، والتي تأتي على شكل نوبات حرارة متقطعة، مع تعرّق شديد وصداع وآلام في الظهر والمفاصل. تلك العوارض التي تكون مصاحبة عادة مع تضخم الغدد اللمفاوية تحت الإبط وفي الرقبه، وقد يتضخّم الطحال والكبد نتيجه المرض. وقد يتحوّل المرض إلى حالة مزمنة وتكون مصاحبة بإرهاق شديد وآلام غير محدّدة وغير مبررة مع نقصان في الوزن وفقدان للشهية. لا تمسّ الحمى مكاناً واحداً في الجسم، فهي «تضرب» أماكن مختلفة في الجسم بحيث تصيب عدداً من الأنسجة مثال الغدد اللمفاوية والدم والطحال، كما قد تصيب جدار القلب وأغشية الدماغ وتتسبّب بخراجات في الرئة. عندما تضرب تلك الأماكن الحساسة، تتحول الحمى إلى مرض خطير ومزمن وقد تؤدي إلى الوفاة، وخصوصاً في حالة احتشاء عضلة القلب.
أما طريقة الكشف عن الحمى، فتكون عن طريق زراعة الأنسجة المصابة (culture)، غير أن هذه الزراعة تحتاج إلى وقت وتقنيات عالية. ولذلك يتم اللجوء إلى الكشف عن الأجسام المناعية، وتعتبر هذه الطريقة الأسرع والأقل كلفة. وبعد التشخيص، تأتي مرحلة العلاجات، وهي التي تحتاج إلى أسابيع عدّة، ويستعمل في تلك الحالات اثنان أو ثلاثة من المضادات الحيويه مثل كو تريموكسازول وستريبتوميسين وتتراسكلين. وغالباً ما تكون نسب الشفاء عالية، إذا ما عولجت الحمى في الوقت المناسب.
على الرغم من كل ذلك، يمكن الوقاية من الإصابة بالبروسيلا. وثمة طرق عدة؛ منها معالجة المواشي المصابة وعزلها، وأيضاً تعتمد على التعقيم السليم لمنتوجات الحليب ومشتقاتها والامتناع عن استهلاك اللحوم النيئة.
يُشار إلى أن الحمى المالطية واحد من الأمراض الجرثومية المنتشرة في أنحاء العالم، ولكنها تكثر في البلاد التي لا تعتمد الطب الوقائي والتي تعتبر الرقابة فيها ضعيفة. ففي بلادنا مثلاً، تعتبر الإصابة بالأمراض البكتيرية عالية وتتعدّد أسبابها، ولعل من أهمها التلوث البيئي وتلوث المياه والآبار الجوفية ومجاري الأنهار والبحار وانتشار النفايات وتراكمها وعدم معالجتها بطريقة سليمة وعدم الرقابة على معامل الأجبان والألبان واللحوم، وضعف الرقابة على المطاعم وعلى العاملين فيها.
* طب أطفال وطب عائلة