هل يمكنني تغيير «مواقيت» الدواء، وتحديداً تلك الخاصة بالأمراض المزمنة، في شهر رمضان؟ يشيع هذا السؤال مع بداية شهر الصوم، فبين الرغبة بالصوم والخوف من خسارة الفائدة المرجوة من الدواء، يحار مرضى الأمراض المزمنة فيما قد يفعلونه.
وفي الوقت الذي يلجأ فيه البعض إلى تغيير مواعيد أدويتهم من دون استشارة طبية، على اعتبار أنها «تنفع» في أي وقت، يلجأ آخرون إلى الاستشارة، خصوصاً إذا ما كان هؤلاء يتناولون جرعتين من الدواء يومياً. والمحاذير التي يتخذها هؤلاء محقّة، خصوصاً في ظلّ المعلومات الطبية، الوافرة، والتي تشير إلى أنّ تغيير المرضى لمواعيد تناول أدويتهم من تلقاء أنفسهم قد يؤدي إلى فقدان الفائدة المرجوة من الدواء، إضافة إلى التسبب بمضاعفات خطيرة. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن المواعيد التي يجب أن يؤخذ فيها الدواء تختلف وفقاً لنوع وطبيعة هذا الدواء المستخدم، وهذا ما يجهله المرضى. وأكثر من ذلك، إن تأثير الدواء وفعاليته يرتبطان بموعد تناوله في اليوم وفقاً لخواصه الفيزيائية والكيميائية وسرعة امتصاص الجسم له. فعلى سبيل المثال، الأدوية التي تؤخذ كل أربع أو ست ساعات تفقد مفعولها، إذا جرى تغييرها إلى مرتين أو ثلاث مرات وقد تسبب مضاعفات خطيرة، ومنها أدوية المضادات الحيوية التي تُعطى كل 6 ساعات، فإذا جرى تقليل جرعة تناولها إلى مرة واحدة أو مرتين باليوم، لن يؤدي ذلك إلى فقدان مفعولها فحسب، ولكن قد ينتج عنه ظهور جراثيم مقاومة للدواء. في المقابل، ثمة أنواع أخرى تتيح للمرضى تغيير المواعيد، وهي تلك التي يمكن تناولها مرة واحدة في اليوم، من دون الحاجة إلى الالتزام بوقتٍ محدد.
ولكن، في كل الأحوال، قبل الدخول في تفاصيل أدوية الأمراض المزمنة وكيف يجرى التعامل معها خلال فترة الصوم، فمن الضروري التفريق بين نوعين من الأدوية: تلك التي تؤخذ مرة واحدة في اليوم والأخرى التي تستوجب جرعتين يومياً.

أدوية الجرعة الواحدة يومياً

في الوقت الذي تعتبر فيه هذه الجرعة من أسهل الحالات، حيث تبقى ثابتة ولا يطرأ تغيير عليها، إلا أنه يجدر استشارة الطبيب بتغيير توقيتها من ساعات النهار إلى ما بعد الإفطار والتأكد من عدم وجود خطر على صحة المريض، حيث من الممكن أن تختلف فعالية هذه الأدوية وكفاءتها بحال تغيير مواعيدها.

أدوية الجرعتين أو أكثر يومياً

إذ ينصح الأطباء بأنه يمكن للأشخاص الذين يتناولون جرعتين من الأدوية يومياً أن يتناولوا الأولى على موعد وجبة الإفطار والثانية عند موعد وجبة السحور، إلا أنه ثمة صعوبة هنا، تكمن لدى المرضى الذين يتناولون ثلاث جرعات من الأدوية يومياً. والسؤال المؤرق لهؤلاء: متى يمكن تناول الجرعة الثالثة؟ الجواب على هذا السؤال لدى الطبيب الخاص بكل مريض، فإما يعدّل في المواقيت أو يمنع المريض من الصوم في حال لا يمكن الاستغناء عن تلك الجرعة.

تختلف المواعيد التي
يجب أن يؤخذ فيها الدواء
وفقاً لنوعه وطبيعته


بعيداً عن «الدوز» الموصى به لتناول الأدوية، إلا أن ثمة سؤال يحتاج إلى جواب هنا، وهو كيف يتعامل أصحاب الأمراض المزمنة مع أدويتهم؟
مرضى السكري: بين تغيير المواعيد و»التقاعد» من الصوم
لا مجال هنا لتغاضي المريض عن استشارة طبيبه للتأكد أولاً من قدرته على الصوم من عدمه، أما ثانياً، فثمة ما يجب الإشارة إليه وهو حساسية مرضى السكري تجاه هذا الفعل، خصوصاً في ظلّ التغيير العشوائي لمواعيد الأدوية. أما ثالثاً، يعتمد صيام مرضى السكري على حالتهم الصحية وعلى مستوى السكر في الدم لديهم. ويمكن هنا الحديث عن ثلاث حالات، بحسب الأطباء:
ـ من يتعاطى جرعة واحدة من الأنسولين بإمكانه تعديل موعدها إلى ما بعد الإفطار.
ـ من يتعاطى جرعتين من الأنسولين، من المحتمل أن يسمح الطبيب بتعديل موعد هذه الجرعات على أن تكون الأولى قبل الإفطار والثانية قبل وجبة السحور.
ـ من يتناول دواء «الميتفورمين» بإمكانه الصيام بعد استشارة الطبيب وتحديد موعد الجرعات الجديد.
وانطلاقاً من ذلك، يشدّد الأطباء على ضرورة أن لا يتصرّف المريض بعشوائية في التعامل مع أدويته، الأمر الذي يعرّضه إلى نقص السكر في الدم أو ارتفاعه. وإذا ظهرت على المريض أعراض انخفاض نسبة السكر في الدم مثل الجوع الشديد والشعور بالتعب والدوار والصداع والتعرق الشديد ورعشة اليدين والسرعة في نبضات القلب والميل لفقدان الوعي، فيتوجب على المريض الإفطار فوراً، بحسب توصيات الأطباء، كي لا يتعرضّ بسبب ذلك إلى الدخول في غيبوبة نقص السكر. كما يتوجب عليه أن يتناول أي سائل محلى بالسكر، مع وجبة غنية بالنشويات. أما في حال تعرّض المريض لارتفاع شديد في مستوى السكر في الدم خلال فترة الصوم، فيتوجب عليه تناول المياه فوراً ودواء السكري، والتوجه إلى أقرب مستشفى للبدء بتلقي العلاج قبل تدهور حالته إلى الأسوأ. وتتراوح أعراض الارتفاع الشديد في مستوى السكر ما بين العطش الشديد وكثرة التبول وجفاف الحلق والقيء وآلام البطن ثم الشعور الشديد بالتعب والإنهاك. وكل هذه الأعراض في حال لم يتداركها المريض سريعاً، قد تؤدي به إلى الدخول في غيبوبة ارتفاع السكر في الدم.
بخلاصة عامة، يتوجب على مريض السكري فى حالة صيامه، مراجعة الطبيب مرات عدّة خلال شهر رمضان لإجراء التعديلات الضرورية في أدوية السكري أو أية أدوية أخرى يتناولها.

مرضى ضغط الدم المرتفع

قبل اتخاذ قرار الصوم، يتوجب على هؤلاء استشارة الطبيب الخاص، علماً أنه لا ينصح الأطباء من يعانون من ضغط الدم المرتفع الخارج عن السيطرة بالصوم، خوفاً من التجلطات. مع ذلك، بإمكان المصابين بضغط الدم الصوم في حال السيطرة على المرض لديهم، في ظل روزنامة معدّلة لأدويتهم خلال هذا الشهر، والتي لا تكتمل من دون اتباع نظام غذائي خاص بحالتهم.

مرضى القلب

بإمكان المصابين بأمراض القلب، المستقرة حالتهم الصحية، الصوم، مع مراعاة تناول الأدوية بانتظام. ويستثنى من بين هؤلاء المصابون بالتجلطات القلبية حديثاً أو بفشل القلب الحاد، وذلك للحفاظ على سلامتهم وصحتهم. أما في موضوع تغيير مواعيد الدواء، فيتوجب على هؤلاء استشارة الطبيب، خصوصاً في ما يتعلّق بالجرعات المتناولة والتأكد من تناولها في موعدها الجديد وعدم تخطيها.

المرضى الذين يتناولون المضادات الحيوية

يختلف موضوع إعادة الترتيب الزمني لهذا النوع من الأدوية تبعاً إلى عدد الجرعات التي ينبغي تناولها أثناء النهار. فبالنسبة إلى من يتناولون جرعة واحدة، فيشير الأطباء إلى إمكانية تناولها عند الإفطار أو السحور. وفي ما يخصّ الجرعتين، فمن الممكن أن تكون الجرعة الأولى عند الإفطار والثانية عند وجبة السحور. أما في حال تناول ثلاث جرعات أو أكثر، فهنا في هذه الحالة، قد يقوم الطبيب بإيجاد دواء بديل يمكن تناوله على جرعة أو جرعتين فقط.

المصابون بمرض الصرع

يمكن ـ بعد استشارة الطبيب ـ أن يتم تناول الأدوية الخاصة بمرض الصرع على جرعة واحدة نظراً إلى مفعولها الطويل. أما لمن يتناول جرعتين من الدواء، فثمة إمكانية بتغيير موعدهما إلى ما بعد وجبة الإفطار والسحور.
وفي حال الإصابة بنوبة صرع أثناء ساعات الصيام، يجب كسر الصيام والإفطار فوراً، مع ضرورة استشارة الطبيب.

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]