قد يكون اعتماد قانون انتخابي جديد في لبنان على صعوبته، أقل تعقيداً من اعتماد سياسة جدّية تتعلق بتنظيم الأسرة وتلبي حاجات النازحين السوريين ورغباتهم. فقد انطلى التبسيط الإعلامي والإعلاني على بعض الخطابات غير الدقيقة عن الولادات وأرقام المواليد، وغابت محاولات علمية لفهم أنماط الخصوبة والإنجاب لدى النازحين. من نافل القول ضخامة أعباء موضوع النازحين على لبنان واللبنانيين، ومن بلاهة القول أيضاً أن تكون خيم النازحين ـ وما يدور داخلها ـ هي السبب في كل ما يعتقد البعض في لبنان أنّهم وصلوا إليه.
تعكس الدراسات حول خصوبة النساء والرجال في ظلّ النزاع، اختلاف أشكال الخصوبة وتعدّد الأسباب والعوامل المؤدية لذلك. فمن الدراسات الأولية حول خصوبة الناجين والناجيات من فظائع هيروشيما وناكازاكي وأهوال معتقلات الإبادة والحرب العالمية الثانية، إلى أبحاث وتقارير من أفريقيا وكمبوديا والعراق، كلها تؤكد عدم وجود نمط محدّد للخصوبة. كما تبين تلك الدراسات مدى التعقيد والتشابك بين الخصائص الثقافية والدينية والاقتصادية والاجتماعية للنازحين واللاجئين والتي تتحكم بمعدلات الخصوبة والولادة. فعلى سبيل المثال، يؤدي سوء التغذية المزمن خلال الحرب والنزوح إلى تدني مؤشرات الخصوبة عند الرجال والنساء، حدث ذلك عند لاجئي الخمير الحمر، وعند أهل العراق خلال حصار التسعينيات. كما يؤدي التعرّض المباشر لأدوات الحرب وأسلحتها كالإشعاعات أو الغازات إلى آثار مختلفة وغير متوقّعة على القدرات الإنجابية للنساء والرجال (الأكثر تأثّراً). 
تُزهق الحرب أرواح النساء والرجال كما تذهب بصحتهم العقلية والنفسية وتُضعف صحتهم الإنجابية والجنسية على غير ما يرى البعض. غالباً ما تكتظ عيادات معالجة الخصوبة بجنود خدموا في حروب سابقة أو ناجين وناجيات من مهالكها، ليُعالجوا من اضطرابات القدرة على الإنجاب أو تدني الإباضة، لا يريدون للحرب أن تقضي أيضاً على آخر ما يملكون من أمل بإنجاب وتكوين أسرة. تؤدي الحروب أيضاً إلى انقطاع الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة وصعوبة الوصول إليها، مما يجعل استمرار استعمالها والحصول عليها أو على بديلها أمر بالغ التعقيد. يزيد هذا الواقع من حجم الحاجات غير الملباة لتنظيم الأسرة ويُضعف من قدرة النساء في المحافظة على رغبتهن بعدم الإنجاب. يشير مقدمو الرعاية للنازحات السوريات إلى وجود نقصٍ في وسائل تنظيم الأسرة لتغطية الاحتياجات. 
لا حمل ولا ولادة معناه لا استمرار للزواج. هي الحال عند المقيمات وعند النازحات على حدٍّ سواء، لا اختلاف في ذلك بين ساكنات القصور وساكنات الخيم طالما يسكن الاعتقاد هذا في نفوس الأفراد والمجتمع وفي العقول. فبينما يرتاب البعض من إنجاب النازحات، ترتاب النازحات من عدم الحمل والإنجاب دون اكتراث إلا لحساب بقاء زواجها واستمراره. «إذا ما أنجبت ولاد بحسب رغبة عيلة زوجي، بطلقني وبيتزوج امرأة ثانية». هناك أسباب أخرى تتعلق بواقع الحرب نفسها وخسارة الأطفال والتي يتوجب على العائلات و»النساء» تعويضه. ظهر هذا العامل في دراسات من غزة والعراق وغيرها، كما في دراسة عن الخصوبة لدى النازحين في البقاع من كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث تقول إحداهن «نريد أن ننجب أكثر لأننا خسرنا الكثير.. كل واحد خسر فرداً أو أكثر من أسرته، لهذا نرغب بتعويضهم إذا سمحت لنا الظروف». هي الحال في الحروب وفي النزاعات، حيث يرى البعض أن الإنجاب والتكاثر وسيلة للتعويض وأحياناً للنضال والمواجهة. 
تعود الحرب بالناس إلى غرائزهم وطباعهم وعاداتهم الأولى، مدفوعين بغريزة بالبقاء والبقاء فقط. يصبح أفراد الأسرة مصادر دخلٍ ويمسي تزويج الفتاة حماية لها من الاستغلال الجنسي وتخفيفاً من الأعباء المادية. يزداد الكلام عن ارتفاع معدلات زواج المراهقات النازحات وترتفع معه معدلات الولادات. إن شريحة المراهقات غالباً ما تكون الفئة الأكثر خصوبة وإنجاباً رغبة منهنّ في «تمتين» زواجهن، ولعدم معرفتهن بوسائل تنظيم الأسرة، وتدني المستوى التعليمي والمهني وغيره. لا تتكرر مجمل هذه الأسباب عند المتزوجات من الفئات العمرية الأعلى (فوق الـ ٢٥ عاماً). يتداخل في هذه الفوارق الخلفيات المدينية أو الريفية، بحيث تكون معدلات الخصوبة وعدد الولادات أعلى عند النازحات من الريف منه عند النازحات من المدن.  
أكثر من 90% من المراهقات من عائلات النازحات إلى لبنان أجبن برغبتهنّ في الإنجاب كما بينت دراسة نُشرت عام ٢٠١٥، تدنى الرقم إلى حدود الأربعين عند البالغات. لا عجب أن يُشاهد في العيادات زوجتين أو أكثر لزوجٍ واحد يسعين للحمل. مشاهد مماثلة بانت عند اللاجئات الأفغانيات إلى إيران. لم تحجب رغبة الإنجاب رغبة معاكسة لتنظيمه والتقرير على عدد أفراد الأسرة في ظلّ واقع مادي قاسٍ وبيئة أصبحت متوترة تجاه النزوح والنازحين، وسيطرة ذكوريّة على الأسرة وأحجامها كانت موجودة حتى قبل النزوح.
قد لا ترى البيئة المضيفة في النزوح إلا ازدياد الولادات والمنافسة في سوق العمل، بعيداً عن منافع اقتصادية أو تنموية. يجادل البعض أن لبنان فوّت على نفسه فرصة لتقوية وتمكين البنى التحتية والخدماتية من خلال استضافة النازحين، ليبقى له استنزاف غير مسبوق لقدراته الخدماتية وتحديات صعبة للقطاع الصحي لإعادة رسم سياسة صحية مستقبلية تواجه أعباء الصحة كواقع تنموي لا كواقع خدماتي فقط. 
مطلوب فهم عميق لمحددات الخصوبة والولادات. لن يحدث ذلك من الخطابات والتصريحات التي لا تساعد إلا في الهروب إلى الأمام، وقد لا يكون هناك أمام، بل فقط حلقة مفرغة ودوران لا يصل بنا إلى أي مكان.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية