غزت، في الفترة الأخيرة، مواقع الاستشارات والخدمات الطبية الشبكة العنكبوتية، فبمجرّد وضع عبارة «مواقع صحية» أو «طبية» في محرّك البحث «غوغل»، ستأتيك تلك المواقع بـ«الجملة»، لتحدّثك عن مئات الأمراض والعلاجات والخدمات الطبية.
واشتهر الكثير منها بتقديم استشارات «أونلاين» مع الأطباء، وهي في معظمها مواقع أسسها تجمّع من الأطباء، منها على سبيل المثال لا الحصر موقع «الطبي» الذي يقدّم الاستشارات الطبية على مدار الساعة والأسبوع، مع تطبيق إلكتروني «يشخّص» عوارض مرضك، يمكنك الاستعانة به قبل استشارتك! ويحظى هذا الموقع بزيارات هائلة. ولئن كان تجمّع هؤلاء الأطباء، وغيرهم، يعطي بعض «الموثوقية» لعدد من المواقع، إلا أن طفرة تلك المواقع الإلكترونية والمفتوحة للجميع تضعنا أمام السؤال المحوري: كيف يمكن التأكّد من مصادر المعلومات الموجودة فيها ومدى دقّتها؟ ومن يحمي المرضى من فوضى التشخيصات والعلاجات؟ ومن يحميهم تالياً من اللغط في التشخيص؟

إذا كان الخبر منقولاً عن دراسة علمية يمكنك الرجوع إلى المصدر والتأكد من أنها موجودة


أما سبب هذا السؤال، فمردّه إلى تجارب مرضى كثيرين عانوا من التشخيصات العشوائية على الشبكة العنكبوتية. فهذه الإتاحة المجانية، دونها «عوارض» قد تؤدي في بعض الأحيان إلى تضرّر نفسية المرضى، في ظلّ الواقع الذي بات فيه كل متصفّح للشبكة العنكبوتية طبيب. واقع، لم يعد فيه الطبيب المرجعية الوحيدة الموثوقة، بل الكل بات ضالعاً. وفي هذا الإطار، أقيم الكثير من الدراسات للتدليل على هذه الفوضى، منها مؤخراً دراسة قامت بها عدة جامعات متخصّصة بمدينة سيول في كوريا الجنوبية، حيث قام الباحثون بتحليل المعلومات الصحية التي يقدمها 120 موقعاً إلكترونياً، عن حساسية والتهابات الأنف والجيوب الأنفية. ووجد الباحثون أن غالبية هذه المواقع لم تُقدّم لزوارها المراجع المناسبة للمعلومات التي تنشرها، إضافة إلى عدم ذكر تنبيهات عن الأضرار الجانبية للأدوية المذكورة، كالمخاطر المحتملة التي لم تُجر دراسات كافية للتحقق منها. وفي دراسة أخرى، فحص باحثون في قسم العدوى وصحة السكان التابع لإحدى جامعات المملكة المتحدة 877 تطبيقاً على متاجر غوغل وآبل للهواتف الذكية، مختصة بتقديم معلومات حول الأمراض المنتقلة جنسياً والعدوى التناسلية. وأظهرت النتائج أن 13 تطبيقاً فقط منها كانت معلوماتها دقيقة بالكامل، فيما 46 تطبيقاً كانت معلوماتها غالباً دقيقة، و28 تطبيقاً كانت دقيقة جزئياً. أما 25 تطبيقاً منها فقد احتوت على أكثر من معلومة أو نصيحة من المحتمل أن تكون ضارة.
من هنا، يقدّم عدد من الباحثين مجموعة من الإرشادات والأسئلة للتأكد من دقة المعلومات الطبية، وهي:
ـ ما هي هوية الموقع الذي نشر المادة؟ هل هو موقع عريق وجاد؟ هل هو موقع لمؤسسة صحية عالمية مثل منظمة الصحة العالمية؟ أو موقع مجهول المصدر؟
ـ هل الموقع معروف بنشره مواد علمية دقيقة؟
ـ إذا كان الموقع الذي نقل المعلومة دقيقاً، فعندها يجب النظر إلى الخبر نفسه. مثلاً، أين نشرت الدراسة التي نقلها الموقع؟ في مجلة طبية محكمة معروفة؟ أم أنها ما زالت دراسة قيد المراجعة؟
ـ احذر من كلمات تستخدم مثل "كشف العلاج السحري" أو "إليك علاج جديد للسرطان". هذه الجمل عادة تكون ضمن مواد لا تتمتع غالباً بالمصداقية.
ـ إذا كان الخبر منقولاً عن دراسة علمية يمكنك أن ترجع إلى المصدر للتأكد من أنها موجودة، فبعض الأخبار تكون ملفقة وتكون الدراسة أصلاً ليست منشورة أو حتى غير موجودة.
ـ على من أجريت الدراسة؟ فئران تجارب أم بشر؟ وكم عددهم؟ هذا يعطيك انطباعاً عن الدرجة التي وصل إليها البحث.
ـ احذر من الأخبار التي تقدم مزاعم طبية، كخبر اكتشاف علاج شاف للسكري مثلاً. وتجدر الإشارة أخيراً إلى أنه حتى لو كانت الدراسة الطبية صحيحة وموثوقة، فهي تبقى دراسة، أي لا يتم بناء قرارات علاجية عليها، ويبقى الإنترنت مكاناً للمعلومات الطبية التي لا تحلّ مكان الطبيب.