لطالما ارتبطت قصّة الضوء الأبيض بتوفير الطاقة. وهذه في حدّ ذاتها قصّة مفرحة. ولكن، في التتمّة التي ستأتي هنا، ستتزعزع هذه الفرحة، خصوصاً إذا ما عرفنا أن هذا الضوء هو العارض الأول والأساس لمرض الحساسية الضوئية أو ما يطلقون عليه ـ طبّياً ـ «التناذر» أو «متلازمة الحساسية الظلامية».
هكذا، مثلاً، يضرب الضوء اللامع الآتي في غالب الأحيان من مصابيح «الفوريسنت» أطياف الألوان، وتحديداً اللونين الأبيض والأسود، بحيث أن المصابين بهذه الحساسية يواجهون صعوبة في قراءة النص الأسود على خلفية بيضاء. فعلى عكس الأشخاص العاديين، يرى المصاب بالمتلازمة الظلامية الكلمات المكتوبة باللون الأسود، وكأنها تتحرّك أو تتموّج أو أنه لا يراها، مما يفقد المريض التركيز ويضعف قدرته على الاستمرار في القراءة.

يظهر الرنين المغناطيسي لدماغ المصاب أثناء القراءة نشاطاً في مناطق منه يفترض أنها خاملة


«عارض» اللونين هو البداية فقط، فهذا المرض ـ الذي يعرّفه العلم بأنه «قصور إدراكي بصري يؤثر في مهارات القراءة والكتابة وترتبط أعراضه بمصادر الإنارة ولمعان الضوء وطول الموجة الضوئية» ـ يحمل الكثير من العوارض الأخرى، وإن كانت تدور في غالبيتها في فلك فقدان التركيز أثناء القراءة. ومن هذه العوارض فقدان القدرة على قراءة مجموعة من الحروف أو النوتات الموسيقية أو الأرقام والكلمات في آن واحد وعلى التتبّع في القراءة وفقدان الانتباه والتركيز أثناء الكتابة أيضاً أو استخدام الكومبيوتر، إضافة إلى الضعف في تقدير المسافات وتحديد العلاقات المكانية بدقّة. أما ما هي الأسباب؟ ولئن كان الطب لم يحسم هذا الأمر، إلا أنّ ثمة مجموعة من التفسيرات تردّ الحساسية الضوئية إلى أنها «اضطراب في إدراك الدماغ للرسائل البصرية ذات الارتباطات الوراثية». وفي هذا الإطار، تبيّن بعض الدراسات أنّ «تركيبة دماغ الشخص المصاب بهذا المرض تختلف عن الشخص العادي، إذ تظهر الرنين المغناطيسي لدماغه أثناء القراءة نشاطاً في مناطق من الدماغ يفترض أن تكون خاملة في حين أن المناطق المسؤولة عن القراءة لم تسجل النشاط المطلوب».
وفي هذا الإطار، ينصح بعض الأطباء المصابين، وتحديداً الطلاب، إلى المسارعة للعلاج القائم على تحسين حساسية العين للضوء باستعمال مرشّحات خاصة تسمح بمرور بعض أجزاء الطيف الضوئي وبطول موجي محدد إلى العين، لمساعدة الدماغ في تفسير المعلومات بشكل صحيح.