على الأرجح، لم تكن تعلم ساكنات منطقة الجيزة في مصر أنّ ما يعانين منه من اضطّرابات نسائية هو أمر غير طبيعي، على ما أكدته دراسة الصحة الإنجابية في صعيد مصر، أواسط التسعينيات. اعتقدن أن هذا أمر متوقّع حدوثه عند النساء في مراحل حياتهن الإنجابيّة. لم يدركن، حينذاك، أنّ من حقّهن اللجوء إلى خدمات صحّية لتصحيح ما هو غير طبيعي ومؤثر في حياتهن الشخصية والجنسية.
لا يمكن للناس أن يتمتعوا بما هو حق لهم، اذا لم توجد آلية أو أداة لتعرّفهم على حقوقهم وعلى كيفية الحصول عليها. وقد جاءت التصنيفات الجديدة للإضطرابات الجنسية والموزّعة على «الإهتمام» و«الإثارة» و«النشوة» و«آلام الأعضاء التناسلية» ـ ضمن إطار منظومة حقوق الإنسان والحقوق الإنجابية والجنسية ـ لتشرعن شكاوى المشتكين وغير الراضين عن حياة جنسية غير سوية. وجرى ربط وجود العلّة بتكدّر المعتل وتذمّره المتكرر لمدّة أقلّها ستة أشهر. هنا، تكمن دقة وصعوبة تقصي مشاكل الصحة الجنسية، خاصة عند من لا تدرك أو لا يدرك ماهية هذه المشاكل، اذ كيف لمقاربة موضوع «غياب الرغبة» عند المرأة في حياتها الجنسية أن يتمّ إن لم تعتبر المرأة أن هذا الغياب مشكلة؟ ورد في بحث لمنظمة الصحة العالمية عن منطقة الشرق الأوسط أنّ النساء يعتبرن الرغبة والإثارة الجنسية من اختصاص ومسؤولية الرجل، فيما هنّ يكتفين باحترامه لهنّ وحمايتهنّ. كما يختلط أمر الأداء الجنسي عند نساء أخريات بين المتوارث والديني، بين واجب خضوعهن لرغبات الرجل أو مطالبتن بالمساواة في التمتع بالعمل الجنسي ضمن العلاقة الزوجية.
في خضم هذا التناقض، جرى توليد الحقوق الجنسية من حقوق الانسان لتكون الشرعية الحاضنة لتدخّلات مرتبطة بالجنسانية والصحة الجنسية. ثم جاء التثقيف الجنسي وزيادة الوعي بالصحة الجنسية في مقدمة التدخلات لتستجلب معها إشكاليات وجدل لم ينته بعد. جاء التثقيف الجنسي كخارطة طريق لمعرفة الحقوق الجنسية ومكونات الصحة الجنسية، وليعرّف النساء خصوصاً والناس عموماً على ما يمكنهم الحصول عليه والتمتع به، وعلى ما هو علة أو اضطراب، وعلى ما يمكن أن يعزّز حياتهم ويزيدها اكتفاء. مع ذلك، رُفِعت السيوف في وجه التثقيف الجنسي وحُمِلت السكاكين لدرء «الموبقات» وصون القيم من غير وجه حق أو سند علمي أو شرعي.
يُقال: ارتاد البشر المدارس والجامعات ليحصلوا علوم الرياضيات والطب والهندسة والشريعة والقانون وغيره. وهم يُعاقبون اذا تلكأوا عن إتمام الدروس أو فشلوا. تُرى، من يُعاقب الفاشلين في علومهم وثقافتهم الجنسية؟ أليس من حقهم الحصول عليها بشكل علمي ورصين بدل السباحة بين مواقع الإباحة؟ أين يحصّلون تلك العلوم وأين «يعيدون» صفوفهم؟ لكنها دوماً الشيزوفرينيا تتفشى بنا وتنتشر كالعدوى.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية