الدكتور فيصل القاق
«ليش ما بتكون إيروتيك؟». كان هذا التعليق الأبرز الذي وصل إلى البريد الإلكتروني من الأصدقاء والزملاء بعد كتابة المقالة الأولى التي حملت عنوان «الصحة الجنسية مش إيروتيك».

كان ال2ردّ لطيفاً ولكن، في الوقت عينه، حاسم، بأنها ليست فقط كذلك، فالتعريفات والمفاهيم العالمية الحديثة للجنسانية تضع «المتعة»، أو المشاعر الإيروتيكية، في صلبها لا بل في أساسها. وعندما نتحدث عن تلك المشاعر في الصحة الجنسية، فنحن لا نلامس فقط معنى ونتاج العلاقة الجنسية، بل ندخل في متنها لنقارع منطق من ارتضى من العلاقة بالإنتاج الإنجابي والمتعة الذكورية، فقط لا غير. فالمتعة هنا تتجلى كمفهوم أكثر من مادي، يتساوى فيه الشريكان مهما كانت ميولهما الجنسية، وبما يشمل الرغبة المشتركة والمسؤولية المفترضة لديهما، وعدم الإكراه أو العنف الجنسي. على هذا الأساس، تحمل تلك المشاعر في هذا المقام مسألة الحقوق الجنسية كحق أساسي من حقوق الإنسان، والتي أضحت مع الوقت ركناً من أركانه.
برغم حداثة التركيز على بعد المتعة في مفهوم الجنسانية، إلا أن الحديث عنه كان رصيناً في كتاب «الكاماسوترا» (البعض لا يزال يرى فيه والت ديزني جنسي!). وهو الكتاب الذي خاض عميقاً في فلسفة المتعة الجنسية وفوارقها عند المرأة والرجل، قبل أن يحوّلها ماسترز وجونسون إلى نموذج شبه آلي وتقني. ما بينهما، يطرح فوكو مسألة «الحقيقة» و«الجنس»، متسائلاً كيف يكون الجنس وسيلة للمتعة واللذة، كما وللإنجاب والأسرة. ويضيف أيضاً بأنه كان «الجنس الموضوع الذي يتم عبره تحديد وتقرير مستقبلنا كجنس بشري وحقيقتنا كبشر»، ليجادل بعدها في تفوق المتعة كفن على ما عداها من تصنيفات علمية، وليجابه بذلك محاولات كبت الجنس وحشره في زوايا التابوهات وكراسي الإعتراف.
تسربت الوشوشات حول المتعة من دوائر النساء المتذمرات إلى فضاءات الطب وعلم النفس والاجتماع، وبدأ الحديث والبحث عن الجنس المبتور والعلاقات الجنسية غير المتكافئة والناقصة. اعترافات من نوع «لا أشعر بشي خلال العلاقة الجنسية»، «ليس عندي أي رغبة بالعلاقة»، «أرى نفسي آلة للجنس لإرضاء غيري»، «فجأة ذهبت كل أحاسيسي وغابت المتعة إلى غير رجعة». اعترافات أصبحت تقض مضجع الحياة الزوجية والعلاقات، كما تكشف عبء الكبت المتوارث والتحكّم السلطوي بالجنسانية.
المطلوب هنا عودة إلى ما قبل مكننة الجنس وارتقائه إلى طبيعة العلاقات الجنسية وفهم دورها في حياتنا والتواصل حولها كمحور أساسي ومدخل ضروري لعلاقات صحية متينة وحصينة ضد البرودة والنزاعات الأسرية والشخصية، وحتى الإنفصال والطلاق.
تعاملوا مع الجنس في حياتكم كما تتعاملوا معه في مخيلاتكم لترثوا متعته والسعادة.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية