الدكتور فيصل القاق *عند الحديث عن الجنسانية أو الصحة الجنسية، غالباً ما يتبادر إلى الأذهان تخيّلات «إيروتيكية» أو عمل جنسي ما أو حالات مرضية أو «قذرة». لم ترتق الصحة الجنسية، في مجتمعاتنا، إلى مصاف الصحة الجسدية أو النفسية، برغم ارتباطها الوثيق بمنظومة الصحة الشاملة التي تشمل العقلية والنفسية والعاطفية والجسدية والروحية والاجتماعية.

وقد تكون هي الأساس في هذا المفهوم للصحة المتكاملة والسلامة، غير أن «مركّبات» العيب والحرام والفضيحة تفعل فعلها في هذا المجال. علماً أن هذا الموضوع يودي، في كثير من الأحيان، بعلاقات زوجية أو عاطفية، كما يعرّض الأفراد للمخاطر ويعكس إجحافاً وتمييزاً يناقض أبسط حقوق الانسان
ليس بالتعامي عن الصحة الجنسية تسير الامور، ولا بممارسة «التقية» والإنفصام نتجاوز الإحراج. فمنذ التعريف الأول والرسمي للصحّة في العام 1945، كانت الصحة الجنسية في أصل النص. بعدها، أفردت منظّمة الصحّة العالمية لها تعريفاً خاصاً في أوائل السبعينيات، ومن ثم في العام 2006. وفي العام 1994، كانت الصحة الجنسية حاضرة في مؤتمر السكان والتنمية، وفيما تلا من لقاءات ومؤتمرات، حتى يومنا هذا.
الدافع الأساسي كان، ولا يزال، حقوق الإنسان والمساواة وعدم الإكراه أو الإجحاف. وهذا وحده كافٍ لوضع الصحة الجنسية في صلب برامج الصحة وسياساتها، كما في عناصر البرامج التربوية والشبابية، بحيث أصبحت مؤشرات الصحة الجنسية والجنسانية دالة على سلامة تلك البرامج وعافية المجتمعات المستفيدة منها.
وفي تعريفات ومفاهيم الجنسانية والصحة الجنسية، تتجسد مسائل عدة، من ضمنها حقوق الإنسان والديمقراطية وعدم الإكراه والتوعية والرضى والمسؤولية والتربية والخدمات وغيرها.
رغم كل ذلك، لا يمكن لنا أن نرفع مستويات صحتنا الجنسية وندفعها قدماً، اذا ما أبقيناها في الظلام أو في المجهول أو في التابو. عندها سيبقى الإكراه سرا والجهل الجنسي مطبقاً والمرض الجنسي متفشياً والعلاقات الشخصية مرتبكة والهويات الجنسية حائرة.
اليوم، ومن خلال هذه «النافذة» في جريدة الاخبار، سيتسنى لنا جميعاً أن نكتب عن الجنسانية ونقاربها بمهنية وعلمية واستناداً لدراسات وأبحاث، وما تحويه من ملاحظات. هنا، سنكون مع زاوية تلقي ضوءاً على دهاليزنا، التي لا تزال تؤدي بنا إلى التعقيد والمشاكل.
* إختصاصي جراحة نسائية وتوليد وصحة جنسية