رامي زريقليس العمل البيئي بحد ذاته عملاً أخلاقياً، فهو حيادي، لا يكتسب صفته الإيجابية هذه إلا من خلال الممارسة والتطبيق، وبعد دراسة الأثر الذي يخلّفه على الفئات الاجتماعية الأضعف، كما على البيئة المحيطة. فالعمل البيئي قد يكون أحياناً وسيلة تتيح للأنظمة القمعية الاستيلاء على موارد الفقراء والطبقات المحرومة، وتجييرها لمصلحة السلطة والمال، وذلك تحت ذريعة حماية الطبيعة من وطأة الضعفاء (الجهّال). تمثّل المحميات التي خلقتها إسرائيل في الضفة الغربية أسطع برهان على ذلك. فقد فرضت إسرائيل على السلطة الفلسطينية وضع مساحات شاسعة في الضفة المكتظة بالسكان تحت «الحماية»، متعذّرة بالمحافظة على البيئة. كما أنها موّلت بعض الدراسات المتواضعة، وشجعت تأليف فرق علمية اختلط فيها بعض الفلسطينيين مع علماء وباحثين من جامعات صهيونية. وقد هللت جمعيات البيئة العالمية لهذه المبادرة، مشيرة إلى أنها خطوة جبارة نحو السلام. ولكن، وعند التدقيق، نجد أنه كان لهذا العمل البيئي ذي الأخلاقية المفترضة، نتيجتان واضحتان: أولاهما أن قوى الاحتلال اتخذت من المحميات والأبحاث البيئية عذراً لتبقي في هذه المساحات قوات لا «تحمي» سوى مصالحها. أما الثانية، فهي أن الإسرائيليين، حين فرضوا وصايتهم البيئية على هذه المناطق وخلقوا فرق العمل المختلطة فيها، استطاعوا أن يفصلوا ما بين العمل البيئي وإطاره السياسي ــــ الاجتماعي. فهم يصوّرون أعضاء فريق العمل الإسرائيليين والفلسطينيين وكأنهم شركاء متساوون في عالم مجرد من علاقات القوة القائمة بين الجلاد الصهيوني والضحية الفلسطينية.
يقع، مع الأسف، العديد من الناشطين البيئيين أصحاب النوايا الحسنة في هذا الفخ الذي لا يؤدي إلى السلام إلا في عالم والت ديزني.