كارين عبد النورهل تساءل أحدكم يوماً لماذا يتبدّل مزاج الطفل وتتغيّر تصرّفاته حين يرى أمّه تتكلم عبر الهاتف؟
يبدو الموضوع غريباً للوهلة الأولى، لكنّ معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا التصرّف تجعلنا ندرك خطورة الموقف ومدى تأثيره السلبي على الطفل إذا ما أحسنّا التصرّف معه.
ما الذي يدور إذاً في ذهن الطفل؟ لماذا يسرع ليتغلغل بين رجلي والدته؟ لماذا كلّ هذه الأصوات المزعجة والمشوّشة التي يصدرها؟ لماذا يسعى لنزع شريط الهاتف من مكانه وإنهاء المكالمة بشكل قاطع؟
لقد أثار هذا الموضوع اهتمام كل من كريستال غابوري وديديي لورو (محللين نفسيين) إذ نشرا دراستهما في مجلة ENFANT MAGASINE.
في الواقع، وبحسب غابوري ولورو، يعود هذا التصرّف عند الطفل إلى أسباب عديدة، على الأم أن تدرك أهميتها وتسعى لمعالجتها.
في الدرجة الأولى، تتطلب المكالمة الهاتفية من الأم تركيزاً معيناً، كما أنها تؤدي بها إلى تغير ملحوظ في التصرّف مع طفلها. هذا الجوّ الجديد يخلق شيئاً من الارتباك عند الطفل يؤدي به إلى إحساس بالانقطاع بينه وبين والدته.
من ناحية أخرى، فإن بعض الوضعيات التي تأخذها الأم وهي تجري مخابرة هاتفية (كأن تتمدّد على الكرسي أو الأريكة مثلاً) توقع الطفل في ارتباك قوي. من السهل أن يتفهم الولد إهمال والدته له حين تكون منهمكة في تحضير الطعام في المطبخ، لكنه لن يتقبل بسهولة أن يحلّ الهاتف مكانه ويستقطب كل الاهتمام الذي كان مخصصاً له: فالأم في هذه الحال حاضرة جسدياً لكنها غائبة فكرياً وعاطفياً عنه، وهذا ما يسبب له حيرة أكبر.
في المقابل، يزداد غضب الطفل حين يدرك أن أمه قد انقطعت كلياً عنه: عندما تكون الوالدة في إطار تحضير العشاء يمكنها أن تستمر في محاكاته. لكن حين تجري مكالمة هاتفية فهي تجعله يعيش بذلك حرماناً تصعب السيطرة عليه. تكون ردة فعله سريعة وقاسية: فهو يسعى ليستعيد الاهتمام كله مهما كانت الوسيلة، من هنا لجوؤه إلى إصدار الكثير من الأصوات المزعجة.
في ظلّ هذه الأجواء، كيف تتوصل الأم إلى إجراء مكالمة هادئة؟
بداية، لا بدّ لها من اختيار الوقت المناسب إذ إنّ الطفل يكون بأمسّ الحاجة إلى الحنان عند عودته إلى المنزل. فهو يبحث عن السبل المناسبة للحفاظ على الوقت الذي يجب أن يخصص له. إنه التوقيت الأسوأ لإجراء مكالمة هاتفية، من الأفضل تجنبه...
من الضروري إدراك أنّ الطفل يسعى وراء الممنوع ويرفض ما يطلب منه. من هنا ضرورة الابتعاد عن سبل القمع القاسية. على الأم أن تقيّم تصرفاتها بتماسك كأن تشعر ابنها مثلاً بأنه لا يمكنها أن تهتم به في الوقت الحالي ولكنها ستعود لترى ما به لاحقاً.


لعبة مفيدة

من المفيد أن يُقدم للطفل هاتف بلاستيكي يجري عبره «مكالماته» الأولى، قد يملّ منه سريعاً ويبحث مجدداً على هاتف يسمع عبره صوت المتكلم، لكنها وسيلة تبدو ناجحة لإرضاء حشريته لبعض الوقت


مسألة حشرية

ينصح القيام ببعض المكالمات الوهمية مع الطفل، كأن تقول الأم: «ألو! أنا أمك. هل تسمعني؟»، سيُسحر الطفل بلعبة تتيح له سماع الأصوات المألوفة. وحين يشبع الطفل حشريته يعود إلى ألعابه