أصبح الفساد في مصر أكبر بكثير من أن يخفى على أحد، ورغم ذلك، ففصوله مستمرّة. آخر مظاهر استخفاف الطغمة الحاكمة في القاهرة بحياة فقراء مصر، تبرئة ممدوح إسماعيل في قضيّة غرق «عبّارة الموت». فهل يغرق النظام، أم أنه لا يزال أقوى من العواصف؟
أحمد بهاء الدين شعبان*
القضية التي شغلت مصر في الأيام الأخيرة، وما زالت تشغلها كلّها، بإعلامها وبقواها السياسية وأحزابها وحركاتها الاجتماعية ومراكزها الحقوقية وهيئاتها القانونية، وأولاً وأخيراً بجماهيرها الغفيرة، هي قضية الأحكام الهزيلة التي صدرت أخيراً، بعد نحو عامين ونصف عام من الانتظار، وبُرّئت بموجبها ساحة ممدوح إسماعيل، وهو أمين الحزب الوطني (حزب السلطة) بمصر الجديدة، والعضو المعيّن بأمر من الرئيس حسني مبارك في مجلس الشورى، ومالك «عبّارة الموت»، («السلام 98»)، التي غرقت في شهر شباط/ فبراير 2006 وعلى متنها نحو 1400 من العاملين المصريين الفقراء، ونجم عن هذه المأساة موت 1033 ضحية، راحوا طعاماً سائغاً لأسماك البحر الأحمر المفترسة، فضلاً عن 377 جريحاً بعضهم في حالات خطرة!
وقد هزّت هذه الكارثة الشعب المصري هزاً عميقاً، ليس فقط لضخامة عدد الضحايا، بل أيضاً للملابسات والظروف التي واكبت الواقعة وأعقبتها، ولعمق ما تشير إليه هذه الكارثة من دلالات، وكذلك لإدراك المصريين أن هذه المأساة، وإن كانت الأضخم والأبشع، إلاّ أنها لم تكن الأولى من نوعها. وللأسف، وفي ظل الأوضاع المصرية المتدهورة، فلن تكون الأخيرة!

مسلسل لا ينتهي

كانت مصر مسرحاً لمسلسل متواتر من الكوارث الرهيبة التي راح ضحيتها الآلاف من المصريين، ومن الفقراء بشكل أساسي، قضوا جميعاً ضحية الإهمال وانعدام الشعور بالمسؤولية، وتردي أداء أجهزة الدولة التليدة وكفاءتها، وانحطاط مستوى الخدمات المقدمة لأبناء الشعب، وتفشي مظاهر الشيخوخة والفساد في بنية النظام بمستوياته المتعددة.
ـــ فعلى سبيل المثال، حازت مصر قصب السبق، على مستوى العالم كله، في عدد ضحايا حوادث الطرق المجانية، ولا يكاد يوم يمر دون أن تجلل هامات الصحف والنشرات الإذاعية والتلفزيونية، الأخبار الدامية للحوادث البشعة التي تنتهي بقتل المئات من المواطنين أو إصابتهم، من دون أن تحرك السلطة ساكناً، اللهم إلا مضاعفة رسوم «الجباية» وغرامات السائقين على الطرق المتهالكة، ورفع أسعار الوقود، ورسوم تجديد رخص السيارات...
ـــ مأساة العبّارة «سالم إكسبريس» عام 1991، التي غرقت وعلى متنها أكثر من ألف مصري من المكافحين الفقراء الذين تغربوا بحثاً عن لقمة خبز عجفاء ضنّ بها ناهبو خير الوطن، فماتوا دونها، ولم يتسنَّ لهم حتى دفن أجداثهم في تراب وطنهم!
ـــ محرقة قطار الصعيد في عام 2002، التي نجمت عن احتراق القطار الرقم 822 المتجه من القاهرة إلى أسوان، وعلى متنه أكثر من ألف من الفقراء المصريين من أهل الجنوب، تفحّمت جثثهم. ومع هذا بُرّئ مسؤولو مرفق السكك الحديدية من وزر الكارثة، وحُمّلت المسؤولية لـ«كبش فداء» من بعض صغار العاملين بالهيئة.
ـــ محرقة «قصر ثقافة الفيوم» في شهر أيلول / سبتمبر 2005، قضى فيها 52 من المسرحيين والفنانين، جلّهم من الشباب، وأصيب 25 شخصاً بجروح وحروق، وذلك نتيجة الإهمال والرعونة. وبرّأت أيضاً قيادات وزارة الثقافة المسؤولين عن هذه الكارثة، وفي مقدّمتهم رئيس «هيئة قصور الثقافة» السابق، الدكتور مصطفى علوي، عضو «لجنة السياسات» التي يترأسها جمال مبارك في الحزب الوطني، بعدما كانت محكمة أول درجة قد أصدرت حكماً بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات، وغرامة 10000 جنيه على ثمانية متهمين، حمّلتهم مسؤولية الإهمال الجسيم والإخلال بواجبات وظيفتهم، مما أفضى إلى موت الضحايا.
ـــ كما كانت مصر طوال الأعوام الأخيرة ميداناً لتفشّي بعض الأوبئة (كإنفلونزا الطيور)، وتوابع تلوّث المياه والهواء من أمراض خبيثة، أخطرها السرطان، الذي انتشر أخيراً انتشاراً ملحوظاً وبالذات لدى الأطفال، وكذلك أمراض تلوث الدم، والفيروس (c)، والتهابات الكبد وغيرها.

فضيحة «هايدلينا»

كانت هذه القضية واحدة من أهم القضايا التي استحوذت على الاهتمام الشعبي، وشغلت حيزاً واسعاً من الحوار العام، نظراً لخطورتها، ولعلاقات المتهمين فيها بالسلطة ووضعيتهم في قمة النخبة الحاكمة، وحيث تدخلت عناصر السطوة السياسية والمال والبلطجة لإبراء ذمة الدكتور هاني سرور، صاحب شركة «هايدلينا» لإنتاج المستلزمات الطبية، وعضو «الحزب الوطني» الحاكم، وعضو «مجلس الشعب»، من جريمة إنتاج أكياس دم ملوثة وتوزيعها، أدت إلى إصابة الآلاف بفيروس (c)، والتهاب الكبد الوبائي، وغيرها من أمراض الدم الخطيرة.

من غرق العبّارة إلى غرق النظام!




وأحاطت بهذه القضية عناصر عديدة للشبهة والشكوك في حكم البراءة، وخاصة بعد مقتل المستشار محمد عزت العشماوي، القاضي الذي أمر بحبس المتهم، وعدد من كبار المسؤولين بالشركة، في ظروف مريبة، لتحلّ القضية أمام قاضٍ آخر، سرعان ما أصدر الحكم ببراءة جميع المتهمين، في حكم أحدث دوياً هائلاً في أركان البلاد، وتأكّد الجميع من المسؤولية الجنائية للمتهم.
والمشترك في هذه القضايا جميعها، وأيضاً في قضية «عبّارة الموت، السلام 98»، أن «أبطالها» الذين بُرّئوا كلهم، هم من كوادر النظام والحزب الحاكم! وبرز دور السلطة في حمايتهم من العقاب، بالتدخل المباشر، واضحاً، بل فاضحاً، كما في حالة ممدوح إسماعيل الصديق الصدوق لزكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، حيث مثّلت «الحصانة النيابية» سياجاً حامياً، لم يُرفع إلا بعد ضمان هروب المتهمين مع أسرهم، وثرواتهم وممتلكاتهم، إلى لندن، إذ ليس بين مصر وبريطانيا اتفاق لتبادل المجرمين، وهو ما زال يعيش هناك.
ورفع النظام الحظر عن شركات المتهم وعن حق التصرف في أموالها، حتى قبل أن يقضي القضاء ببراءته!

رعاية رسميّة

ممدوح إسماعيل، مالك «عبّارة الموت»، مثال نموذجي لطفح الطبقة الصاعدة من «الأغنياء الجدد» في مصر، والتي تكوّنت كمنتج طبيعي لسياسات النظام في العقود الأخيرة: سياسات «الخصخصة»، و«إعادة الهيكلة»، و«تحرير الملكية». وهذه تمخضت عن وضع ثروة الأمة في أيدي شراذم من «المحاسيب»، أتمّوا بنشاط يحسدون عليه، نهب المال العام و«تجريف» المجتمع من ثرواته المادية بالاستيلاء المباشر، ومن ثرواته البشرية بإغلاق أبواب الرجاء وسد فرص العمل أمام الملايين من الشباب، ودفعهم إلى مغادرة البلاد، بأي شكل، حتى ولو كان بمخاطرة يائسة لعبور البحار الهائجة في قوارب متهالكة، في رحلة عبثية تنتهي دوماً بالغرق.
وهذه الطبقة، بسطوتها التي نجمت عن تزاوج المال والسلطة، هي التي تسيطر على عملية صناعة القرار الاقتصادي والسياسي في مصر الآن، ورمزها اللامع، المهندس أحمد عز، «أمين التنظيم» في «الحزب الوطني»، ورئيس «اللجنة الاقتصادية» في «مجلس الشعب». وقد صعد أحمد عز بسرعة الصاروخ إلى قمة السلطة، عن طريق علاقته الحميمة بجمال مبارك، «الوريث الأوحد المنتظر»، و«أمين لجنة السياسات» بحزب السلطة. وقد أتاح له قربه من الحكم، وارتباطه الوثيق بمراكز صنع القرار في قمة النظام، احتكار أهم الصناعات الاستراتيجية، صناعة الحديد، خلال بضع سنوات لا غير! ومكّنته هذه القرابة، خلال عام واحد فقط، من مضاعفة سعر الطن من ثلاثة آلاف جنيه إلى ما يزيد عن تسعة آلاف جنيه للطن الواحد، (أي بنسبة زيادة نحو 300%)، في ظل تغاضي السلطة عنه، بل إسباغ حمايتها عليه، وتجميدها لمساعي إقرار «قانون مكافحة الاحتكار» في ملفات «مجلس الشعب»، الأمر الذي سبب انهيار سوق العقارات والبناء في مصر، وتفشي المضاربة على أسعار الوحدات السكنية، حتى البسيط منها، مما أكمل عمليات سد أبواب المستقبل أمام الملايين من الشباب، منهياً الأحلام المشروعة لهم في بناء أسرة ومنزل!

إدانة برلمانيّة

وعودة إلى قضية «عبّارة الموت»: من اللافت أن تقرير «لجنة تقصي الحقائق» التي ألّفها البرلمان المصري، قد أدان بشكل واضح إهمال الشركة وتواطؤ الجهات الرسمية مع أصحابها. فعلى سبيل المثال، عُيّن، بمخالفة القانون، ممدوح إسماعيل عضواً بمجلس إدارة موانئ البحر الأحمر الحكومي، الأمر الذي هيّأ له المجال لحصد الامتيازات الحصرية لشركته، ومكّنه من التغطية على الوضع المزري والمخالف وغير اللائق إنسانياً، والمليء بالعيوب، لعبّاراته، والذي قاد في النهاية لغرقها. غير أنّ أخطر ما كشفت عنه هذه القضية تمثل في نقطتين بارزتين دالتين:
ـــ الأولى، تواطؤ المسؤولين الفاسدين لـ«الهيئة المصرية للسلامة البحرية»، (بفعل النفوذ السياسي لمالك العبّارة، وشيوع الفساد في أركانها، والرشى المالية التي يقدمها)، في تقديم التغطية التقنية والفنية، مخالفين الحالة الحقيقية لوضع العبّارات المتهالكة، مما مكّن صاحبها من تسييرها تجاوزاً للقانون، ثم حماه من الإدانة عند محاكمته بعد وقوع الجريمة. فشركة ممدوح إسماعيل امتلكت خمس عبّارات، جميعها اشتُريت من شركة Terenia الإيطالية كخردة غير صالحة للعمل، ويجب تكسيرها: العبّارة «السلام 90 ـــ كاردوتشي»، والعبّارة «السلام 92 ـــ بيتراركا»، والعبّارة «السلام 94 ـــ مانزوني»، والعبّارة «السلام 96 ـــ باسكولي»، والعبّارة «السلام 98 ـــ بوكاشيو».
وقد أُعيد تأهيلها بشكل بدائي، غير مطابق للمواصفات الدولية، لتحويلها من سفن نقل للبضائع والسيارات والحاويات، إلى سفن لنقل البشر، أشبه بمدافن متحركة تستغل ظروف الفئات الدنيا من المجتمع التي تقبل بركوبها لأنها لا تملك تكاليف الانتقال في وسائل أكثر آدمية!
ـــ أما النقطة الثانية، فهي العبث في التكييف القانوني للتهمة الموجهة للمتهم، والتي نجم عنها مقتل وإصابة نحو 1400 مواطن، باعتبارها مجرد جنحة بسيطة، مثلها مثل توصيف واقعة مشاجرة في الطريق العام، أو مخالفة عادية لقانون المرور، أو ما شاكل. وهذا التوصيف الهزلي سوّغ للسلطات، في النهاية، اختصار مسؤولية مالك الشركة عند حدود «علم ولم يبلغ»، أي علم بغرق البحارة ولم يسارع إلى التبليغ عن الواقعة! (كان، في الواقع، هو وأركان إدارته، مشغولين بضمانات الحصول على القيمة المجزية للتأمين على العبّارة الغارقة من شركات التأمين العالمية!)، وبما يعني مساعدته على غسل يديه من دماء الضحايا البريئة من الفلاحين والصعايدة البسطاء، الذين شقت صرخات ذويهم كبد السماء التياعاً على الأحباء المغدورين بلا عقاب! وتأكيد القاعدة الحديثة السائدة: «قل لي ابن من أنت في مصر، أقل لك كيف ستحصل على حقوقك ومتى».

... وإدانة رسميّة

والمذهل أن هذه النتيجة تأتي على العكس تماماً من مرافعة وكيل النيابة الشاب أحمد محمد محمود، التي أدان فيها بأكثر العبارات وضوحاً المتهم ممدوح إسماعيل الذي «عدّ نفسه من صفوة المجتمع، فامتلك شركة للنقل البحري، واشترى واستأجر سفناً، واحتكر خطاً ملاحياً بين موانئنا وموانئ بلاد شقيقة، وتوسعت أعماله، وزاد عدد سفنه، وأفسد الجشع ثمار عرق البسطاء، وبدد الفساد والإهمال بريق النجاح وفرحة العودة للأهل والديار. غرقت السفينة لأخطاء ارتكبها طاقم اختاره هو، وإدارته لقيادتها، وعلم بغرقها في حينه، فتراخى وتقاعس عن إنقاذ الضحايا وعن مدّ يد العون لهم، وتركهم يصارعون الجوع والعطش والبرد والأمواج العاتية ساعات طوالاً، مات منهم من مات، وجرح منهم من جرح، ولم يكلّف نفسه عناء إخطار جهات البحث والإنقاذ الفوري، ولم يصدر الأوامر الفورية لوحداته البحرية السريعة والجاهزة، للإبحار والتحرك فوراً لإنقاذ الضحايا من رجال ونساء وشيوخ وأطفال، في ظلام دامس وبحر هائج وطقس سيئ!
إنّ إسناد الواقعة للمتّهمين قاطع في الأوراق على نحو ما ورد بأمر الإحالة، قيداً ووصفاً، وجاءت أوراق الدعوى غنية بالأدلة المقنعة على ثبوت تلك الجريمة في حق المتهمين ثبوتاً كافياً لا ريب فيه».
لكن هذه المرافعة البليغة، بما تضمنته من عشرات القرائن التي تدين المالك، ألقي بها على قارعة الطريق، وفاز ممدوح إسماعيل، خدن السلطة وربيب النظام، بالبراءة، بعدما أنفق نحو خمسين مليوناً من الجنيهات على «الموعودين»!
إن هذه البراءة، كما يقول نائب رئيس محكمة النقض، المستشار أحمد مكي، لم تبدأ في محكمة محلة «جنح سفاجا»، بل «بدأت في النيابة العامة، وتحديداً من قراري الاتهام والإحالة إلى المحكمة الصادرين منها، لأنها أحالت المتهمين بتهمة محددة تتلخص في أنهم علموا بغرق العبّارة ولم يخطروا أجهزة الإنقاذ، مسقطة بذلك كل التهم الأخرى، سواء ما اتصل بسلامة السفينة، أو سلامة إجراءات تسييرها وحمولتها الزائدة، كما استبعدت النيابة العامة أيضاً أخطاء الأجهزة المختصة بالتفتيش على سلامة السفينة وتسييرها، وجميع الشهادات المحلية والعالمية».

«تستيف الأوراق!»

وقد جاء تعليق حمدي الطحان، نائب «الوطني»، ورئيس «لجنة النقل» بمجلس الشعب، ورئيس «لجنة تقصي الحقائق» التي ألّفها البرلمان المصري للتحقيق في المأساة، كاشفاً ودامغاً. فهو رغم انتمائه للنظام، لم يتحرّج من توجيه إصبع الاتهام للمجرم الحقيقي: «الذي حدث أن مافيا الفساد، سواء بالمال أو بالعلاقات أو بأي وسيلة أخرى، نجحت في «تستيف»، (مراكمة وتنسيق) الأوراق أمام القاضي بما لا يجعله يحكم إلا بما حكم به، والذي أصابني بالصدمة هو عدم الأخذ بما جاء في التقرير ـــ الوثيقة الذي أعدّته لجنة تقصي الحقائق، لأن كل ورقة فيه بوثيقة، أو مستند، أو سند علمي، ولا مجال للتشكيك فيه. إن المشكلة هي منظومة الفساد، فمصر الآن مثل عبّارة ممدوح إسماعيل في فسادها وضعفها وترهّلها... فالدولة في مصر تتفكك، وسلطتها غائبة، وهذا ما يجعل الناس الآن تلجأ إلى أخذ حقها بـ«الدراع» (بيدها وبالقوة)، وعدم انتظار دور الدولة لغيابه، وغياب القانون، وهذه إشارة خطيرة ينبغي تداركها قبل أن تحدث الكارثة وتنهار الدولة!».

محاكمة نظام

«لقد اكتشفنا، كهيئة دفاع (كما يقول ياسر فتحي، محامي الدفاع) أننا أمام ملف سياسي، لا قضائي فقط، ينبغي أن يوضع إلى جوار ملفات (إضراب) 6 أبريل (نيسان)، وعمال المحلة، وكل الملفات التي تخنق الوطن. إننا أمام معركة سياسية كبرى في مواجهة النظام الذي سمح بدخول «الخردة» لبناء سفن تقتل «الغلابة»، وسمح بالتزاوج بين السلطة والمال!».
«إن تحالف الفساد والسلطة قتل زوجتي وأبنائي...»، هكذا يؤكد زوج ضحية، ووالد أربعة أبناء من بين الضحايا. لقد أدرك الجميع فوراً هذه الحقيقـة القاطعة التي كشفتها وقائع مهزلة محاكمة ممدوح إسماعيل وتابعيه. ولأنها قضية سياسية وشعبية بامتياز، في مواجهة النظام، كما ذكر محامي الدفاع، كان طبيعياً أن تتفاعل حركة «كفاية» مع الحدث، التي رأت فيها ما يعكس الدور الكبير الذي بات يلعبه «تحالف رأس المال الفاسد مع السلطة الفاسدة»، ويعرّي تستر الحكم الاستبدادي على هذه الجرائم البشعة التي يذهب ضحية لها الآلاف من أبناء الشعب كل عام، كما تعكس اهتراء النظام وعجزه، وتآكل مشروعيته، وانحطاط أداء جهاز الدولة على كل المستويات، والحاجة الماسّة للتغيير الديموقراطي الفوري، حماية للوطن والشعب من الموت الجماعي المجاني».
ويتابع بيان «كفاية»: «ولأن هذه المحاكمة هي في جوهرها محاكمة صريحة للنظام الفاسد والمستبد، فإن بقاء الرأي العام يقظاً ومتحفزاً إزاء المحاولات الدؤوبة التي سيجري للالتفاف على إرادته القاطعة في محاكمة المجرمين، وإحقاق الحق، والانتصار للعدالة، هو وحده الذي سيمكّن من الاقتصاص من قتلة أبناء شعبنا واستعادة حقوقهم المسلوبة، ومواجهة «فساد البر والبحر»، الذي، كما أغرق المئات من أبناء شعبنا، يهدّد ـــ إذا تقاعسنا عن التصدي له ـــ بإغراق الوطن كله».
* كاتب مصري
وأحد مؤسسي حركة «كفاية»