علي السوداني *أنا المواطن العراقي المقهور الموجوع، علي السوداني، القائم منذ ربع العمر في حضرة الربة الرحيمة الياسمينة عمون، أعلن وأنا في كامل وعيي وصحوي، أنني أعيش منذ عصرية واقعة القندرة في بغداد المحتلة، في موضع الغيرة والحسد من الفعل البديع المدهش، المهني المتحضر، الكريم الآدمي التاريخي، الذي خلقه العراقي الفدائي القوي منتظر الزيدي.
وبسبب من تلك الغيرة والحسد الذي يكاد يأكل قلبي، صرت منذ ثلاث ليال متصلات أبحوش وأفتش وأهمّش في ثنايا وخبايا شبكة العنكبوت المبروكة، حتى عثرت على ما يزرعني بمنزلة الولد المنتظر بوصفي صاحب المخترع والمحرّض عليه والمروّج لهذا المشهد الغالي! حدث هذا قبل أزيد من أربعة شهور من واقعة منتظر، إذ استأنستْ برأيي جريدة مشهورة ومحترمة عن مقترح إقامة تمثال لبوش وسط بغداد، بوصفه محرراً لا مغتصباً، فقلت إنني وحقكم مع هذا المقترح شرط أن يسوّر تمثال بوش الابن بسلال وكواشر من الحصى والقنادر لكي يستعملها المقهورون الفقراء المطوفون حوله في طقس الرجم.
ثم جددت المقترح وما جاوره في رسالتي إلى الرجل الأسمر أوباما في مكتوب نشر في هذا المستطيل الذي أثرد فوقه الآن وأنزف وأغار وأشتعل. أما المجلد الأول من كتابي «مكاتيب عراقية من سفر الضحك والوجع»، فلقد نام بين غلافيه مكتوب ظريف حميم اسمه «من كتاب القندرة»، وقد جئت فيه على أشهر القنادر في التاريخ، مثل قندرة أبو القاسم الطنبوري، وقندرة نيكيتا خروتشوف، وقنادر اميلدا ماركوس، وقندرة عبد الوهاب البياتي (التي أهداها الى نصيف الناصري)، وقندرة ثمانينية زرعتها صبية عراقية حلوة فوق جبهة صاحبي العاشق الذائب اللائب الذي كان رشّها ببيت شعر خليع لا يلبس فوقه دثار.
ثم عدت وسردت من على شاشة «الشرقية» سلة مقطوفة من حديث الحذاء، وبينهما كرّرت الكرّة، ورحت إلى تذكير الرعية بمحاسن قنادر «باتا» المعروفة وخصالها التي حصلت على فردات كثيرات منها في سنين مدرسة ابن جبير الابتدائية للبنين، من باب التعفف على معونة الشتاء والصيف، وعندكم كذلك القنادر الشعبية المزروع دكانها وعرضها السبعيني في مفتتح شارع السعدون من صفحة سينما السندباد، على مبعدة مكتبة «طريق الشعب» العائدة ملكيتها للحزب الشيوعي أيام زمان.
ونوّهت وأشدت بقنادر النايلون التي تعالج فطور الرجلين وثقوب الجيبين، ولم يفتني المرور الملحاح على الباب الجمالي والمنظر المشتهى الذي ستكون عليه حسناوات الله فوق أرضه وهن يرتدين قندرة اسمها «اسكاربيل» بكعب عال، بل إنني رحت إلى أشهر أديبين عراقيين ظلا على إصرار لافت على لبس قندرة الكعب العالي، أولهما الراحل الجميل القاص موسى كريدي لقصر قامته، وثانيهما زاهر الجيزاني الشاعر بسبب الحنين والحنّية، وختامها في واقعة قنادرية مبهجة حدثت في بيت تلفزيون «سي أن أن» الأمريكاني.
... وهكذا ترون أحبتي وعزوتي، أنني قد ثقّفت مبكراً ودعوت إلى ثقافة القندرة، ليس بمعناها المبتذل، بل بهذا المعنى الراقي الذي أنجزه الفدائي منتظر الزيدي، وسيكون من حقي المحفوظ بالقانون وبالآدمية، ومن باب حق الملكية الفكرية، أن أطالب بنسبة دولارية من سعر المزاد الذي سيرسو عليه ذلك الحذاء العظيم. ولأن الولد الحلو منتظر وعائلته من كرام البشر، فالمأمول منهم أن يخصصوا قسماً دسماً من سعر القندرة لبناء دار أيتام تنام فيها وتأمن وتلبس وتأكل وتشرب، سلة من يتامى أرض الرافدين الذين يتّمهم الدكتاتور الكذاب بوش ومن عاونه.
وللمحامين والمحاميات الذين سيدفعون الظلم عن عتبة منتظر، أقول إن بوش في زيارته لبغداد المحتلة كان أقرب إلى حرامٍ تسلل بليل حالك أسود، لا كرئيس محترم ينزل في مطار بغداد العباسية وتطلق له إطلاقات الترحيب ويعزف على بساطه الأحمر سلام البلاد وهتاف العباد. هو شخص مكروه ووجه قبيح.
فيا رعية البلد، اتحدي واعتصمي بحبل الله الحب والرحمة، واغسلي وجه الأرض المقدسة واكنسيها ونظفيها بالنار وبالكلام وبالغناء وبالدعاء، وأيضاً وحتماً بالقنادر!
* كاتب عراقي