كما العاصي، أصرت مريم مرتضى، ابنة مدينة الهرمل، السير عكس تيار المزارعين في بعلبك ـــــ الهرمل. فمنذ عشر سنوات، اتخذت المزارعة من «حاكورة» منزلها مكاناً لزراعة بصيلات الزعفران، النبتة التي رفض مزارعو المنطقة زراعتها كبديل عن زراعة نبتة الحشيشة. اختيار مرتضى لهذه الزراعة، الوافدة من الهند وباكستان وإسبانيا، لم يكن بالنسبة إليها زراعة بديلة عن المخدرات، بل لكونها «جديدة على منطقتنا ولصغر مساحة الأرض التي أزرعها، ما يجعلني قادرة على الاهتمام بها». بدأت مرتضى زراعة الزعفران بعد سنوات قليلة من اتخاذ الحكومة اللبنانية قرارها القاضي بحظر زراعة المخدرات. يومها، لفت المسؤولون إلى أن الحكومة ستتعاون خلال فترة زمنية مع برنامج الأمم المتحدة، لتوفير زراعة بديلة عنها لمزارعي البقاع. سنوات عديدة مرت، أعلن بعدها البرنامج عن الزعفران كزراعة بديلة، لكن، هذا البديل لم يحول أنظار الكثيرين عن المخدرات، لتقتصر زراعته على بعض الحقول. فهذه الزراعة التي يطلق عليها لقب «الذهب الأحمر»، لم تنجح كثيراً لكون «العمل بها شاقاً ومضنياً في ظل غياب الطلب وأسواق التصريف»، تقول السيدة الخمسينية، التي تلقفت حوالى مئة بصيلة من الزعفران عندما بدأ تسليمها في مدينة الهرمل عام 2001. في «مسكبة» لا تتعدى «المتر بمترين» أمام منزلها الكائن في حي المرح الشمالي في الهرمل، بدأت مرتضى زراعتها البديلة، حتى باتت لديها اليوم كمية من البذور (70 ألف بصيلة) تكفي لزراعة دونم واحد من الأراضي. مرتضى تنفرد وزوجها اليوم بزراعة الزعفران على مستوى البقاع. مع ذلك، لا يزال الزوجان ينتظران «الفرصة المناسبة لهذه الزراعة». اليوم، لا مكان للتصريف إلا المعارض الزراعية، بدءاً من معرض أرضي في بيروت، مروراً بمعرض الأمومة والطفولة، وصولاً إلى معرض بعلبك للمنتجات الزراعية. لكن، حتى هذه المعارض لا تفي بالغرض، فثمة مشكلة أخرى تتعدى التسويق وهي «جهل الناس بهذه الزراعة وفوائدها واستخداماتها»، توضح مرتضى.
لهذا لم تنشط زراعة الزعفران، كما أنه من ناحية أخرى، رفض مزارعو بعلبك ـــــ الهرمل زراعته لكونه «مكلفاً مادياً وفنياً وتقنياً»، يقول مرتضى مرتضى، زوج مريم، مشيراً إلى أن «هذه الزراعة تتطلب صبراً طويلاً، فإنتاجها بالغرامات (سعر الغرام 10دولارات)، وينبغي للمزارع الذي يسعى إلى الحصول على كيلو غرام من الزعفران أن يزرع ما يقارب 70 ألف بصيلة». مع ذلك، قد يصل بك الأمر «إلى تصريف عشرة غرامات لبعض زبائنك، وذلك بسبب غياب المعرفة بالزعفران، وبالتالي الطلب عليه والسوق التصريفية المحلية والخارجية». ومن الصعوبات التي تعترض نبتة الزعفران أيضاً «زراعتها ومشقة قطافها وطريقة جمعها وتجفيفها، ففي شهر آب، تبدأ زراعة البصيلات بعد تجهيز الأرض ومدّها بالأسمدة العضوية، وتوفير الري لها بطريقة الجر أو التنقيط، لتبدأ عملية الإنبات مطلع الأسبوع الأول من تشرين الثاني، وتتبعها بعد يومين فقط عملية إزهار كثيف، الذي يفرض من بعدها، وفي صباح كل يوم مرحلة جمع المياسم الحمراء والصفراء، قبل بدء حرارة النهار، حتى لا تذبل المياسم وتفقد خصوصيتها». تكمل «بعد جني المياسم، في اليوم نفسه، يُفصل الأصفر منها عن الأحمر، لتبدأ عملية تجفيفها بوضعها في غربال أو منخل فوق وجاق أو مدفأة على ارتفاع يتجاوز 30 سنتم ريثما تجف، ومن ثم يجري تخزينها في أوعية خشبية أو زجاجية محكمة الإقفال». أما التوضيب، «فيجب أن يكون بعيداً عن الضوء، لأنه يفقد المياسم لونها فتصبح باهتة».
مع كل هذه الصعوبات، تصر مريم على إكمال مسيرة زراعة الذهب الأحمر، وإن كان ذلك فقط في مساكب حاكورة منزلها. «حتى لو لم يعترف بها وزير الزراعة حسين الحاج حسن، الذي رفض النظر إلى الدراسة التي أعدّت بناءً على طلبه، يبقى الأمل بمن يعرف قيمة هذه الزراعة، وبتحسن الأوضاع في سوريا كي نصرف الإنتاج على ضآلته».
«الذهب الأحمر»، الذي هو نبات بصلي، يعرف علمياً باسم «Croeus sativus» أو «saffron crocus»، بحسب المهندس الزراعي حسين قانصوه، مدير مركز الجواد للتنمية والإرشاد الزراعي في الهرمل. ويشير إلى أن «الزعفران من النباتات العطرية ـــــ السوسني، المعمرة لوجود البصلة تحت الأرض، التي تخرج منها أوراق خصوصية شريطية الشكل، وصغيرة الحجم، تنبثق منها زهرة أو زهرتان بلون بنفسجي، تحتوي كل منها على مياسم صفراء وأخرى حمراء، (طول الميسم يراوح بين 2 و 3 سنتم، وعرض لا يتجاوز 4 ملم)، وهذه المياسم هي ما يعرف بالزعفران».