الهرمل | على الرغم من البيئة النموذجية التي يوفرها نهر العاصي في الهرمل لتربية أسماك الترويت، إلا أن الدولة لا تلتفت إلى هذه الثروة من خلال دعم العاملين بها وتشجيع الاستثمار فيها. فحتى اليوم، لا تزال عجلة هذا القطاع الناجح، الذي يمثّل مورد رزق لأكثر من 500 عائلة بقاعية، تسير على قوة الدفع الفردي، من مزارعين يصرّون على إنجاح ما بات يُعَدّ مورداً اقتصادياً مهماً لهم.أكثر من 140 مزرعة لتربية أسماك الترويت النهري تنتشر على ضفاف العاصي، بحسب المهندس حسين قانصوه، مدير مركز الجواد للتنمية والإرشاد الزراعي في الهرمل. ويشير قانصوه إلى أن معظم هذه المزارع عبارة عن أحواض ترابية، «لم يتسنّ لأصحابها استبدالها بأخرى إسمنتية؛ لعدم توافر القدرة المالية لديهم»، بينما يستفيض في شرح نجاحات هذا القطاع ومزاياه، الذي ينتج سنوياً أكثر من 1500 طن من السمك بمعدل وسطي، بمواصفات «غذائية وصحية عالية، توفرها البيئة النظيفة الخالية من التلوث في نهر العاصي، ونسبة التدفق الكبير التي تقدر بـ13 متراً مكعباً في الثانية، وهو ما يغني المياه بالأوكسيجين والحموضة الضروريين لتربية الترويت»، على حد قوله.
إلا أن هذا القطاع يعاني مشاكل تتلخص، بحسب قانصوه، في «عدم وجود إطار إداري تعاوني من جهة، وعدم توافر اختصاصيين في المجال الإرشادي للمربين من جهة أخرى». بالإضافة إلى ذلك، يذكر المهندس ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة (1850$ سعر الطن) التي تمثّل عبئاً مالياً ضخماً يتحمله المزارعون، في ظل إنتاج يراوح بين نوعين محتملين من الخسائر: تلك الخاصة باستقدام فروخ السمك من مفاقس خارج الهرمل، وتلك المتعلقة بأسواق التصريف التي تقتصر على المطاعم في منطقة الهرمل، وبعض المطاعم والسوبر ماركت في بيروت، بينما تراجع الطلب كثيراً في السوق السورية التي كان يعوّل عليها المربون بأكثر من 50% من الإنتاج، منذ أن بدأت الأحداث والاضطرابات في سوريا أخيراً، بحسب قانصوه.
بدوره، أوضح عضو بلدية الهرمل، يوسف محفوظ لـ«الأخبار»، أن قطاع تربية سمك الترويت «قابل للتطوير، إذا ما اتخذت الدولة قراراً بدعمه، باعتباره منتجاً وطنياً، وعملت على حمايته من استيراد سمك نهري من دول أخرى». يبدي محفوظ عتباً كبيراً على الدولة في هذا الصدد؛ فهي لا تولي اهتمامها بقطاعٍ حيوي يحتل المرتبة الأولى من بين القطاعات التي تمثّل مصدر رزق لأبناء الهرمل، مشدداً على أن «أبسط مقومات الدعم لمربي الترويت يتمثل في إضافة سمك الترويت إلى اتفاقية التيسير العربي، الأمر الذي يسمح بتصريف الإنتاج إلى سوريا بطريقة التبادل التجاري، فيتضاعف سعره الذي لا يتعدى حالياً ستة آلاف ليرة لبنانية، وتزيد كمية الإنتاج»، كما يقول.
بلدية الهرمل، في محاولة منها لدعم مربي الترويت في المنطقة، أنشأت بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية، معملاً متخصصاً بإنتاج الأعلاف، يوفر على المربي ما نسبته 35% من أكلاف الأعلاف المستوردة. إلا أن «أخطاء تقنية وفنية حالت دون تشغيله» كما يعترف محفوظ، كاشفاً أنه حالياً لُزّم استكمال المشروع لشركة جديدة، بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون الفني (GTZ). ومن المشاريع التي أنجزت لتدعيم هذا القطاع أيضاً إنشاء اتحاد بلديات الهرمل، بالتعاون مع مشروع الأمم المتحدة، لمعمل تسحيب سمك الترويت وتدخينه.
من جهته، رأى أحد مزارعي سمك الترويت، حسن مرتضى، أن القطاع قائم على «إمكانات المربين المحدودة، لأننا نفتقر إلى دعم الدولة ومساعدتها، ولا وجود لتعاونية تجمعنا قادرة على العمل». وأشار إلى أن الحديث عن مساعدات يتلقاها المزارعون من وزارة الزراعة التي تقدم لهم فروخ سمك ترويت «غير صحيحة؛ فمن 3 ملايين بيضة لا يصل إلى العاصي سوى 500 ألف. بيقولوا إنو لكل مربّي 5000 فرخ، بس ما منلاقي إلا 2500 فقط»، كما يقول. يستغرب المزارع كيف أن مطاعم في لبنان تستورد السمك النهري من دول الخارج ويباع بسعر 20$، في الوقت «اللي ما في متل نظافة وطعم ترويت العاصي، ويباع بسعر لا يتعدى نصف قيمة كيلو لحم البقر» كما يقول.
أما عبد المنعم عابدين، صاحب مطعم ومسمكة ترويت على ضفاف العاصي، فيقترح «مطلباً قديماً جديداً» يوفر دعماً للقطاع، وينعكس إيجاباً على السعر والكمية، ويتمثل بتخصيص وجبة من سمك الترويت لجهازي المطار والجيش، بدلاً من السمك المجلد، وذلك مرتين في الأسبوع أو في الشهر، ما يساعد في تصريف الإنتاج ويفيد الجيش لناحية الغذاء والسعر.