لم يبق من شجرة الرمان العتيقة إلا الذكرى السيئة. لأجيال سابقة، اقترن اسم الشجرة بأبغض منتجاتها: «المسطرة ــ القضيب» التي كانت تلهب يدي الطالب الذي استعصى عليه حفظ جدول الضرب مثلاً. يومها، كان شغف الفقراء بالعلم ممزوجاً بجهل تكمله سادية بعض المدرسين، فتأتي الترجمة بقضيب يجلد بلا رحمة. سوء طالع الشجرة جعل «لدغات أشواكها» تطغى على طعم ثمرها اللذيذ. أضف إلى ذلك سعرها «الهابط» آنذاك. لهذه الأسباب، اجتثت الشجرة البرية من «الحواكير» والبساتين، واستُبدلت بها جنة الزراعات البديلة الكثيرة الكلفة، بمردودها «المحفوف» بالشروط والتعليمات. ولم يدرك أصحاب البساتين خفة ما اقترفت أياديهم، إلا بعدما تحولت الثمرة المجانية إلى سلعة معروضة، ثقيلة الوزن، غالية الثمن.
البعض ممن أهمل حقله كلياً، اكتشف أن أشجار التفاح والإجاص وغيرها شاخت وتكسرت، بينما صمدت شجرات الرمان البرية، فعمل على تشحيلها ليتمتع بمنتج مربح جاءه من دون سابق عناء. والبعض الآخر استحث الخطى، فاقتلع أشجار الليمون وعاود غرس أعواد الرمان، يحدوه الأمل في أن يجني أرباحاً يسيرة بعد سنوات قليلة.
خلافاً لكل أنواع الأغراس، لا تكلف غرسة الرمان شيئاً. يكفي قص عود من الرمان أثناء التشحيل، قطره سنتيمتر واحد، ولا يتجاوز عمره سنة أو اثنتين، وبشرط أن تكون له متفرعات. أما العود الممشوق الخالي من المتفرعات، فيسميه أبو خليل، صاحب أحد البساتين، «ذكر». وهذا الذكر يمكن أن يصبح شجرة، لكنها لا تثمر. لا تكلف أغراس الرمان، إذاً. يقطع العود الجيد ويقسم أجزاء عدة بطول 30 سنتيمتراً. تغرس الأعواد في مشتل صغير. بين العود والآخر مسافة عشرة سنتيمترات، ما يعني أن المتر المربع الواحد يتسع لمئة غرسة، على أن تكون التربة غنية بالسماد الطبيعي أو الكيماوي.
أما أوقات الغرس المستحبة، فتبدأ مع موسم الأمطار، وتورق غالبيتها مع حلول الربيع. وعندما يتوقف هطل المطر، يجب على المزارع ري الأرض حتى السنة التالية، حيث تصبح الأغراس صالحة للزراعة. وبالإمكان زرع الأعواد في الحقل مباشرة، لكن زراعة المشتل توفر الجهد واستهلاك المياه في السنة الأولى.
تثمر غرسة الرمان بعد سنتين أو ثلاث، وتصبح شجرة كاملة في غضون ست سنوات. شجرة الرمان تعمّر كثيراً، بل لا تفنى مطلقاً. بالأصل هي شجرة برية، تنمو حولها الكثير من الفروع، وقد تنمو في السهل والجرد، وتنسجم مع مختلف أنواع الأتربة، ما عدا التي يحتقن فيها الكثير من المياه، وتزرع أيضاً في الأراضي البعلية أو المروية على حد سواء. وبخلاف أغلب أنواع الشجر، لا يتأثر الرمان كثيراً بكمية الشمس أو الظل.
أنواع الرمان كثيرة. أما الأكثر انتشاراً فهو السكري والهاجوجي وهي حلوة المذاق، تؤكل مباشرة، وتصلح للعصير. يفضل الهاجوجي؛ لأن البذر الذي تحتويه الحبة صغير، يسحق بسهولة وقابل للهضم. يصل سعر الكلغ إلى 3 آلاف ليرة، علماً بأن حبة الرمان تصل إلى كلغ ونصف.
أما اللفاني، فيتربع على رأس قائمة الرمان. بداية الموسم في مطلع تشرين الأول يكون كثير الحموضة. هذه الخاصية جعلته صالحاً لاستخراج دبس الرمان منه.
الجدوى الاقتصادية من زراعة الرمان والعناية به اكتشفت حديثاً؛ إذ يبلغ متوسط إنتاج الشجرة الجيدة مئتي كلغ، وبالتالي ينتج حقلاً مزروعاً بخمسين غرسة من الرمان ما يقارب عشرين مليون ليرة في السنة إذا بيع الموسم بالمفرق، وأقل من نصف المبلغ بقليل إذا بيع بالجملة.
العناية بحقل الرمان بسيطة وسهلة. لا تصيبه إلا آفة واحدة، هي قيام الجرذان بنقر الثمرة واستهلاك ما فيها، وذلك بطريقة لا تخلو من لصوصية ما. فقد تبدو الثمرة نظيفة وصحيحة وهي معلقة في الشجرة، وما إن تمتد اليد لقطفها حتى يُكتشف أن الثمرة مجرد قشرة فارغة من الداخل. مكافحة الجرذان تكون عبر وضع سم أسود يخلط مع العلف، لكن الجرذ بتوصيف المزارعين «ملعون وذكي جداً»، بحيث إنه يمتنع عن تناول مادة يعرف أنها تسبب قتل رفيقه.
في السنوات الأخيرة، ومع فساد البيئة لكثرة استخدام المبيدات، بدأت تنتشر ما تسمى الذبابة البحرية، تبخ مادة معينة في الرمانة، فلا تلبث الأخيرة أن تمتلئ بالديدان. ومع ذلك ثمة علاج يستخدم لرش شجر الليمون وبعض الأشجار الأخرى، يصلح للمكافحة، على أن يجري الرش مرتين في الموسم.
يمكن تخزين الرمان في برادات الخضار والفواكه، ويمكن حفظه في المنازل بطريقة تقليدية، وذلك بعد تشميسه أياماً عدة حتى تجف القشرة. ولتسهيل تقشيره ينصح بوضع الرمانة في وعاء من الماء قرابة نصف نهار، لكي ينتفخ جلدها.