لا تزال زيارة المغنّية «شمس الكويتية»، وفق الاسم الذي تطلقه على نفسها، على رغم أنها لا تحمل الجنسية الكويتية، وتُصنّف ضمن فئة «البدون»، أو غير محدّدي الجنسية، لفلسطين المحتلّة، تتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي. وفيما بدت الزيارة هادفة إلى الترويج للتطبيع الخليجي مع الاحتلال، والذي تلقّى ضربة قاصمة خلال «مونديال قطر»، جاءت النتائج عكسية مرّة أخرى، حيث نالت المغنّية قسطاً وافراً من الهجمات في الدول العربية، ولا سيما من الكويتيين الذين رفضوا إساءتها إلى سمعة بلدهم المعروف بموقفه الأصيل الرافض للتطبيع. وعلى رغم أن المغنية تذرّعت بطلب «علم هو خاتمة العلوم» و«علاج للروح» لدى طبيب وصَفه الكثير من المغرّدين بأنه «دجّال إسرائيلي»، فإن هذا السبب بدا غير مقنع للكثيرين الذين رأوا أن الهدف الحقيقي للزيارة هو الترويج للتطبيع
نشرت «شمس الكويتية» صورة عبر حسابها في «إنستغرام» تجمعها إلى «الدكتور العالمي» نادر بطو المختصّ، بحسبها، بـ«دراسة وفهْم علم الروح» (من حساب «شمس» على «إنستغرام»)

حاولت المغنية «شمس الكويتية» بطرق شتّى تغطية زيارتها التطبيعية لإسرائيل، والتي لا يمكن فصلها عن سعي الأنظمة الخليجية التي تقيم علاقات مع الكيان، سرّاً أو علناً، إلى تمرير التطبيع عبر وجوه معروفة، ردّاً على ما ساد «مونديال قطر» من رفض شعبي لأيّ وجود إسرائيلي في منطقة الخليج، وأظهر تلك الأنظمة معزولة عن شعوبها تماماً. لكن أوّل ما حصدته «شمس» التي بدت مذعورة في بداية زيارتها، بعدما أقرّت بأن كلّ مَن فاتحتهم بموضوع الزيارة ابتعدوا عنها، طالبةً دعم «جمهورها»، هو هجوم شعبي كويتي ملأ الفضاء الإلكتروني، وسط دعوات إلى نزع صفة الكويتية عنها، وهي بالفعل لا تحمل الجنسية الكويتية، وتُصنّف ضمن فئة «البدون» أو غير محدّدي الجنسية، إلا أنها كانت قد اشترت جنسية إحدى دول الكاريبي لتتمتّع بحرية التحرك. وهذا ما حدا بالنائب الكويتي السابق، وليد الطبطبائي، إلى المطالبة بمنعها من دخول الكويت أو محاسبتها عند العودة.
ومع أن الهجوم الكويتي على «شمس» كان الأشرس بسبب تشويهها سمعة البلد ذي الموقف الأصيل الرافض للتطبيع، إلا أن السواد الأعظم ممن علّقوا على الزيارة من العرب رفضوا مبرّراتها ومحاولاتها للتغطية على ما اعتبروه خيانة، ولا سيما المبرّر الرئيس المتمثّل بـ«العلاج والتعلّم» لدى مَن وصفته بـ«الدكتور» نادر بطو، قائلة إنها انتظرت أكثر من ثلاث سنوات للحصول على موعد منه، وإنه الوحيد في العالم الذي يمكنه معالجة مشكلتها المتمثّلة في أنها كانت ترى أهوال «يوم القيامة» في أحلامها، وتعضّ على لسانها إلى أن تسيل منه الدماء، مذ كانت في الرابعة من عمرها. ولكن معظم رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وصفوا بطو الذي يملك عيادة في هرتزليا شمال تل أبيب بأنه «دجّال إسرائيلي» يستخدم الشعوذة في علاجاته المزعومة. ومع ذلك، يقول بطو نفسه في تصريح إلى قناة «كان» الإسرائيلية إن زيارة «شمس» له كانت لها «أصداء واسعة في إسرائيل والأوساط العربية تمثّلت في العديد من العروض والرسائل التي تلقّاها لزيارة دول عربية، كان أبرزها دعوة من دولة الإمارات لزيارة القصر الرئاسي في أبو ظبي». ويتناقض ما تَقدّم، معطوفاً على الوقت الطويل الذي خصّصه للمغنية واصطحابه إياها إلى منزل والدته لتناول الطعام وفرز ابن عمّه «الطبيب» المعاون له، كمرافق لها طوال وقائع زيارته، مع تصريحها بأنها احتاجت إلى كلّ هذا الوقت للحصول على موعد معه.
زيارة «شمس» التي عمدت إلى بثّ مشاهد حية لبعض المدن المحتلة منذ عام 1948 ومنها تل أبيب والناصرة، يراد لها أن تؤثّر في الوجدان العربي


وبالموازاة، لم تنس «شمس»، أو ربّما جرى تدريبها، على كيفية استغلال اسم فلسطين وزيارة المواقع الدينية الإسلامية والمسيحية في القدس والناصرة في تغطية رحلتها، فأدّت الصلاة في مسجد قبة الصخرة وهي محجّبة، كما زارت كنيسة القيامة وكنيسة البشارة في الناصرة، مع أنها قبل وقت غير طويل نشرت فيديو ترقص فيه بـ«اللانجري» الكاشف لكلّ أجزاء جسدها، من دون ملابس داخلية، في ما اعتُبر في الأوساط الفنّية، تحدّياً للراقصة سما المصري. وفي ذلك جاءها العون من يائير، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي رفض استخدامها اسم فلسطين حتى على سبيل التغطية على فعلتها، مخاطباً إيّاها بالقول «إنك تستمتعين بالحرية في إسرائيل، حيث ترتدي المرأة ما تشاء. كما تستمتعين بشرب الكحول هنا. وإذا كنت لا تحترمين ضيافتنا، فاخرجي من هنا». لكن الإعلام الإسرائيلي رحّب بزيارة المغنّية واستخدمها لتلميع صورة إسرائيل الملطّخة بدماء الفلسطينيين أمام العالم، وتقديمها على أنها «واحة الحرية والسلام والتعايش» في هذه المنطقة. كما تناقلت أخبار الزيارة حساباتٌ إسرائيلية على «تويتر» منها حساب «إيدي كوهين» التابع لـ«الموساد»، والذي خاطبها بالقول: «نوّرتِ مطار ديفيد بن غوريون الدولي في إسرائيل يا شمس. المطربة الخليجية المشهورة شرّفتنا بزيارة مفاجئة لإسرائيل».
وعلى رغم أن «شمس» المولودة في السعودية والمقيمة في الكويت، شخصية مثيرة للجدل منذ بداية مشوارها الفني، فإنها تتمتع بنفوذ في الخليج، وتشتهر بامتداحها الحكام، ولا سيما ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي دعت السعوديين في إحدى مقابلاتها إلى صنع «تماثيل من الماس والزمرد» له، بسبب التغييرات التي قام بها في المجتمع السعودي، و«أظهر من خلالها الصورة السمحة للإسلام». كما أشادت برئيس «هيئة الترفيه» السعودية، تركي آل الشيخ، الذي استضافها للغناء في إحدى نسخ «موسم الرياض». والنفوذ الذي تتمتع به «شمس» منع إبعادها من الكويت، على رغم احتجاجات الكثير من الكويتيين على سلوكها، في الوقت الذي تشتهر فيه تلك الدولة بسرعة إبعاد مَن يُعدّون مسيئين لمجتمعها، بالنظر إلى وجود معارضة قوية ذات طابع قبلي وإسلامي في مجلس الأمة، كانت قد نجحت في فرض الكثير من عمليات الإبعاد لأسباب سياسية أو دينية أو «أخلاقية».
ويصعب عزل زيارة المغنية عن السياسة، وبالتالي نفي أن تكون مدفوعة من أحد الأنظمة الخليجية المطبّعة مع الكيان المحتل، لاستغلال كون المغنية شخصية مشهورة في العالم العربي في الترويج للتطبيع الذي ثبت أنه ساقط شعبياً في الخليج، بغضّ النظر عن تقييم الجمهور العربي لها، والذي كان حتى ما قبل الزيارة مشابهاً لنظرته إلى معظم الفنانين العرب. كما لا يمكن نفي أن تكون الزيارة من تنظيم إسرائيل نفسها التي تسعى دائماً إلى استدراج شخصيات خليجية، ولا سيما كويتية. وسبق أن زار رئيس الوزراء الكويتي السابق، صباح الخالد الصباح، الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة حين كان وزيراً للخارجية عام 2014، بدعوة من السلطة الفلسطينية. لكن زيارة «شمس» التي عمدت إلى بثّ مشاهد حية من وقائع زيارتها لبعض المدن المحتلة منذ عام 1948 ومنها تل أبيب والناصرة، يراد لها أن تؤثّر في الوجدان العربي، من خلال نقل صورة للعرب والخليجيين تحديداً، يرافقها صوت خليجي معروف، للحياة في تلك المدن بشكل يلمّع صورة الكيان المحتل.
(الأخبار)