سعى الإماراتيون إلى الإيحاء بأن الأمور على خير ما يُرام، وبأن الانفجار الذي وقع في ميناء جبل علي، أحد أكثر موانئ العالم إشغالاً، ليل أوّل من أمس، لا يعدو كونه حادثاً عابراً جرى تلقُّف تداعياته سريعاً. ويجلّي هذا الاتجاه طريقة تعامل السلطات مع الحادثة التي تقول إنها تسبَّبت بحريق على متن سفينة حاويات تحمل «موادّ قابلة للاشتعال»، فضلاً عن مسارعة المواطنين إلى تداول وسم بعنوان «دبي بخير»، في محاولةٍ لتطمين مَن يخشى وقوع «خلل» أمني في الإمارة المُعتَمِد اقتصادها حصراً على قطاعات السياحة والخدمات والنقل والمصارف، والتي تكبّدت إحدى أقسى تبعات الأزمة الصحية، بينما سجَّلت انكماشاً، قُدِّر، قبل نحو عام، بـ11%، أو أربعة أمثال ما سجَّلته إبّان أزمة الائتمان العالمية (2008-2009). لكنّ الحوادث المتنقّلة لا تفتأ تتوسّع لتأخذ مديات مختلفة في الإمارات، خصوصاً في السنوات الأخيرة؛ ولعلّ الانفجارَيْن اللذين وقعا في ثلاثة مطاعم في دبي وأبو ظبي، أواخر شهر آب من العام الماضي، و«صادفا» زيارة الوفدَيْن الإسرائيلي والأميركي الأولى للبلاد بعد الإعلان الرسمي عن اتفاق لتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، يجلّيان بوضوح دأْبَ السلطات على «لفلفة» هذه الحوادث، وسَوْق روايات من قَبيل «تمديدات غاز»، أو «أسطوانة غاز»، أو حتى «موادّ قابلة للاشتعال»، حتى لا تضطر للتعامل مع تداعياتها، ولا سيما على المستوى الاقتصادي. وفي هذا السياق، يمكن الإسهاب في ذكر حوادث وقعت، في السنوات القليلة الماضي، من مثل بثّ حركة «أنصار الله»، منتصف عام 2019، أي قبل أشهر قليلة من إعلان الإمارات انسحابها من حرب اليمن، شريطاً مصوّراً لاستهدافها بطائرة مسيّرة، منشآت في مطار أبو ظبي الدولي، في تموز من عام 2018، كانت الدولة نفت وقوعه في حينه، عازيةً ما جرى إلى «مركبة إمدادات» انفجرت وتسبَّبت بوقوع بعض الأضرار. كما سبق للحركة استهداف مطار دبي في آب وأيلول من العام نفسه، رداً على «جرائم العدوان» في اليمن، في حين نفت الإمارات أيضاً تعرُّض المطار لأيّ هجوم. وفي الثالث من كانون الأول 2017، أعلنت «أنصار الله» إطلاق صاروخ «كروز» على مفاعل براك النووي في مدينة أبو ظبي، إلّا أن «الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات» في الإمارات نفت الإعلان، مشيرة إلى أن البلاد «تمتلك منظومة دفاع جوي قادرة على التعامل مع أيّ تهديد من أيّ نوع».
استراتيجية الإنكار ليست جديدة على المسؤولين الإماراتيين الذين يبتكرون مع كل حادثة جديدة رواية تناسبها


استراتيجية الإنكار ليست جديدة على المسؤولين الإماراتيين الذين يبتكرون مع كل حادثة جديدة رواية تناسبها، وغالباً ما تكون مكرّرة. آخر تلك الحوادث، انفجار ميناء جبل علي الذي بدأت سلطات دبي تُحقِّق في أسبابه، بعدما تردَّد صداه في أرجاء المدينة الخليجية، وسُمع على بعد 25 كيلومتراً، وتسبَّب، وفق الرواية الرسمية، بحريق على متن سفينة حاويات تحمل «موادّ قابلة للاشتعال» في أحد أكثر موانئ العالم ازدحاماً. الانفجار الذي أحدث أضراراً من دون أن «يسفر عن إصابات أو وفيات»، وقع عند الساعة 23:55 من مساء الأربعاء بالتوقيت المحلي في الميناء، لكنّ عناصر الإطفاء تمكّنوا من السيطرة عليه في أقلّ من ساعة ثم إخماد الحريق الناجم منه بالكامل. وأفادت سلطات الميناء بأن طاقم سفينة الشحن «أوشن تريدير» التي تحمل علم جزر القُمر، وعددهم 14، تلقّوا أمراً بإخلاء السفينة والمنطقة المجاورة «عندما شُوهد تسرّبٌ ودخان»، فيما ذكر القائد العام لشرطة دبي، الفريق عبد الله خليفة المري، لقنوات تلفزيونية محلية، أن السفينة كانت تحمل 130 حاوية على متنها، ثلاث منها كانت «تحتوي على موادّ قابلة للاشتعال»، لافتاً إلى أن سبب الحادث قد يكون، وفق التقارير الأولية، «احتكاكاً أو حرارة الطقس المرتفعة». ويُعدّ ميناء جبل علي محطّة نقل وتجارة رئيسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأحد أكثر موانئ العالم إشغالاً، إذ يستطيع التعامل مع حاملات طائرات، وكان أكثر موانئ البحرية الأميركية ازدحاماً خارج الولايات المتحدة في عام 2017، وفقاً لخدمة أبحاث الكونغرس الأميركية. وسارعت سلطات الميناء لدى اندلاع الحريق إلى القول إنه تم «اتّخاذ كلّ الإجراءات اللازمة لضمان سير حركة السفن بصورة طبيعية في الميناء». كما أكدت مجموعة «موانئ دبي العالمية» التي تدير عمليات الميناء وموانئ عديدة في أنحاء العالم، أن «عمليات المناولة وتخليص البضائع تسير كالمعتاد في محطة الحاويات واحد (حيث وقع الحريق) وجميع المرافق ومحطّات الحاويات في الميناء»، مضيفة: «نثمّن الجهود الاستباقية لقيادتنا وتفاني السلطات المعنيّة وفريق عملنا بما يضمن تحقيق سلامة الأفراد واستمرارية العمل».