لم تحمل مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع التلفزيون الرسمي، مفاجآت نوعية بخصوص مناسبة المقابلة، ذكرى إطلاق «رؤية 2030»، على عكس بعض المواقف الخارجية اللافتة في هدوء نبرتها، وتحديداً الموقف من العلاقات مع إيران وملف حرب اليمن.
إيران
لم يتطرّق ابن سلمان، أمس، إلى التسريبات
بشأن المحادثات السعودية الإيرانية في بغداد بوساطة عراقية، إلا أنه قال إن بلاده تعمل "مع الشركاء في المنطقة وفي العالم لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات ونتمنى أن نتجاوزها وأن تكون العلاقة طيبة وإيجابية وفيها منفعة للجميع".

فعلى عكس مواقفه الحادة السابقة تجاه طهران، أبدى رغبة في إصلاح العلاقات: "إيران دولة جارة وكل ما نطمح له أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران. لا نريد أن تكون إيران في وضع صعب، وبالعكس، مزدهرة وتنمو لدينا مصالح فيها ولديهم مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار".

وأمّا الخلافات مع إيران، فحصرها ابن سلمان بـ"إشكاليات" ثلاث: "برنامجها النووي أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامج الصواريخ البالستية".

إدارة بايدن
وأقرّ ولي العهد السعودي بزيادة "هامش الاختلاف" مع الولايات المتحدة تبعاً لتبدّل الإدارة، ورفض "أي ضغوطات خارجية أو التدخل في شأننا الداخلي". لكنه قلل من شأن الخلاف مع الرئيس الأميركي جو بايدن: "حتى في البيت الواحد لا تجد إخوة متفقين مئة بالمئة في كل شيء... نتفق مع إدارة بايدن بأكثر من 90% من المسائل التي تتعلق بالمصالح السعودية الأميركية".

وبينما أشاد بـ"الشراكة الاستراتيجية" الممتدة لـ 80 عاماً مع الولايات المتحدة ورأى أنها عادت بالنفع على بلاده وأيضاً على أميركا التي لولا النفط السعودي "لن تكون في وضعها الحالي اليوم"، لم تخل تصريحاته، في الوقت عينه، من ما يمكن اعتباره رسائل لإدارة بايدن: "لو هذا العقد (الاتفاقيات النفطية مع واشنطن) ذهب لبريطانيا كان سيكون فيه ضغط علينا عندما كانت بريطانيا مستعمرة لأغلب الدول في المنطقة في ترسيم الحدود وفي وضعنا العام قد نواجه ضغوطاً أكثر، لكن العقد مع الولايات المتحدة أعطى مصلحة أميركية ثابتة مما جعل بريطانيا تعيد حساباتها في أي شيء أو أي ضغوط على المملكة".

وفي إطار الرسائل أيضاً، تحدّث عن "خيارات واسعة" حول العالم و"صنع شراكات جديدة": "اليوم الصين أعلنت أن المملكة شريك استراتيجي والهند كذلك وروسيا كذلك. لا تزال المملكة شريك استراتيجي للولايات المتحدة، نعزز مصالحنا مع الجميع بما يخدمنا وبما يخدمهم". وقال: "الولايات المتحدة كانت في الخمسينات تشكّل 50 بالمئة من اقتصاد العالم، اليوم حجم الاقتصاد الأميركي يشكّل 20 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي".

اليمن
في الملف اليمني، بدت نبرت ابن سلمان هادئة: "المملكة عرضت وقف إطلاق النار والدعم الاقتصادي لليمن وكل ما يريدونه مقابل وقف إطلاق النار من قبل الحوثي والجلوس على طاولة المفاوضات". وقال: "أعتقد أن الحوثي لا شك لديه علاقة قوية بالنظام الإيراني، لكن الحوثي في الأخير يمني ولديه نزعته العروبية واليمنية التي أتمنى أن تحيا فيه بشكل أكبر ويراعي مصالحه ومصالح وطنه قبل أي شيء آخر". وقال: إنه يتمنى أن يجلس "الحوثيون" إلى "طاولة المفاوضات مع جميع الأقطاب اليمنية للوصول إلى حلول تكفل حقوق الجميع في اليمن وتضمن مصالح دول المنطقة".

وقال: "هذه ليست أوّل أزمة تمر بين السعودية واليمن. هناك أزمات مرت على أيام الملك عبدالعزيز وتمّت معالجتها، من ثم أتت أزمة أخرى في السبعينات والثمانيات وتمّت معالجتها في التسعينات، حتى أتت أزمة 2009 وتمّت معالجتها في فترة قصيرة، ومن ثم أتت الأزمة الأخيرة بعدما بات الحوثي يتوسّع من 2014 حتى وصل صنعاء في بدايات 2015 ومن ثم انقلب على الشرعية... هذا أمر غير قانوني في اليمن وغير قانوني دولياً ولا يوجد أي دولة في العالم تقبل أن تكون ميليشيا على حدودها... وشاهدنا هذا التصرف ماذا كانت انعكاساته على اليمن".

«رؤية 2030» والاقتصاد
في القضايا الاقتصادية، استفاض الأمير السعودي في حديث "الأرقام والفرص والطموحات" وقدّم تقييمه الخاص لبرنامج التحوّل "رؤية 2030"
الذي طرحه في 2016 واعداً باستكماله. وبرّر الأزمات ، في ملف النفط وزيادة الضرائب والبطالة وتعثّر "رؤية 2030"، بضغوط فترة "كورونا" وتداعياتها، فيما برر أزمات أخرى كغلاء الوقود وضريبة القيمة المضافة بأنها ضرورية لنجاح برنامج التحوّل وضمان مستقبل أفضل.

كما جدّد التأكيد على ضرورة تقليل الاعتماد على النفط. وكشف عن نقاش يجري مع شركة طاقة أجنبية، لم يسمّها، لبيع 1% من أسهم "أرامكو"، "وهناك جزء من أسهم أرامكو قد يتحوّل لصندوق الاستثمارات العامة، وجزء يُطرح على شكل طروحات سنوية في السوق السعودي".

وأكد أن لا خطط لاستحداث ضريبة على الدخل وأن قرار رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 15% هو قرار مؤقت سيدوم عاماً إلى خمسة أعوام ثم سيجري خفضها إلى ما بين 5 إلى 10%.

الوهابية والتطرّف
وتطرّق ابن سلمان في قسم من المقابلة إلى مسألة الدين في المملكة، وجدد هجومه على "التطرّف" معتبراً "أي شخص يتبنى منهجاً متطرفاً، حتى لو لم يكن إرهابياً، فهو مجرم".

ودعا إلى الاجتهاد وعدم الاعتماد على النصوص الدينية غير الواضحة. وقال: "في الشأن الاجتماعي والشخصي فقط ملتزمين بتطبيق النصوص المنصوص عليها في القرآن بشكل واضح... الحكومة ملزمة بالحديث المتواتر في الأمور الشرعية وتنظر في حديث الآحاد ولا تنظر للخبر إلا في حالات خاصة".

وعن مؤسس الدعوة الوهابية محمد بن عبد الوهاب، قال: "متى ما ألزمنا أنفسنا بمدرسة معينة أو بعالم معيّن معناه ألّهنا البشر. الشيخ محمد بن عبد الوهاب لو خرج من قبره ووجدنا نلتزم بنصوصه ونغلق عقولنا للاجتهاد ونؤلهه أو نضخمه لعارض هذا الشيء، فلا توجد مدرسة ثابتة ولا يوجد شخص ثابت، القرآن والاجتهاد مستمران... وكل فتاوى حسب كل زمان ومكان".



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا