«يريدون إخراجنا واستقطاب مليون ونصف لهذه المنطقة، يفترض أنهم يكونوا أثرياء، أثرياء العالم، استقطابهم عبر توفير أمن وصحة وتعليم، يريدون أناساً يقدّمون لهم أقصى قدر من الرفاهية» الشهيد عبد الرحيم الحويطي

«الوصول إلى مجتمع حيوي يوفّر للجميع حياة كريمة وسعيدة سيكون وفق رؤية 2030 أساساً قوياً للازدهار الاقتصادي»
المحور الأوّل لرؤية محمد بن سلمان «2030»

تهيمن تاريخياً على مقاربة الدولة السعودية منظور البحث في جدليات كل من النفط والتيارات الدينية والمجتمع المحافظ والحكم القبلي، وهو أمر مفهوم إذا ما وضعناه في سياق هوس التصورات الاستشراقية بخصوصية «المملكة الصحراوية» لأغلب الباحثين الغربيين. وفي السنين الأخيرة شهدنا صعوداً لمنظور مقاربة الدولة الريعية والاقتصاد الرأسمالي والاندماج في العولمة، حيث يأتي هذا الصعود بعد غياب كان قد لاحظه الباحث الإيطالي جيوكومو ليوساني، أحد أبرز منظري الدولة الريعية.

إلا أن الغائب الآخر هو مقاربة الدولة السعودية من منطلق أنها قامت كملكية كلاسيكية، وعليه محاولة إسقاط تحليلات أدبيات علوم الاجتماع السياسي حول الملكيات والحكم المطلق عليها. حيث يتم نزع السعودية من السياق التاريخي العام لتاريخ الملكيات كشكل من أشكال أنظمة الحكم في المجتمعات البشرية، خصوصاً عن الممالك الغربيّة، في ظل محاولة متعمّدة لإضفاء خصوصية مكانية ودينية واجتماعية عليها، والتي من ضمن أهدافها جعل العديد من التقاليد والطقوس للممالك العربية -وغير العربية- نوعاً من الغرائبية والتخلّف والرجعية، بينما يتم الاحتفال بذات التقاليد والطقوس في الممالك الغربيّة كنوع من الثقافة العليا والنّبل، كمشاهد الجثو والانحناء وتقبيل الأيدي. ويعطف على ذلك محاولات ترسيخ تنميطات بأن «العرب يبجّلون القادة»، التي وللأسف يتبناها العديد من الشباب العربي بشكل مبطن. وللمفارقة فأغلب هؤلاء الشباب يشاركون في عملية التبجيل العملاقة التي تمّت عولمتها لتصبح حالة عابرة للحدود لشخوص البيت الملكي البريطاني وأخباره والهوس حولها.

«قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ»

يتحدّث ميشيل فوكو عن حق الموت والحياة كأحد الامتيازات المميّزة للسلطة المطلقة، مشيراً إلى جذره التاريخي الممتد إلى السلطة الأبوية الرومانية وحق التصرف بحياة الأولاد كما العبيد. ولا ينحصر شكل سلطة الموت والحياة هذه على عمليات الإعدام والقتل المباشر. فالمسألة تتعلق بحق الملك بالرد على أي تهديد يهدّد وجوده أو يقوّضه، وإن كان خارج الحدود السياسية لسلطته، حيث يشن الحروب ويدفع برعاياه للموت للدفاع عنه باسم الدفاع عن الدولة، فهو هنا يمارس ذات الحق بشكل غير مباشر. يسمُ المفكر الفرنسي هذا الحق بـ«سلطة الموت الهائلة»، فلم تعد تشن الحروب كالعدوان على اليمن باسم الملك والدفاع عنه، بل تخاض باسم الدفاع عن الجميع، وتحرّض شعوب بأكملها لتقاتل بعضها البعض باسم ضرورة البقاء على قيد الحياة.

ينطلق فوكو من هنا إلى تقسيم هذه السلطة على الحياة إلى شكلين غير متناقضين: أطلق على الأوّل «السياسة التشريحية» منذ القرن السابع عشر، والثانية «السياسة الحيوية» التي بدأت بالتكوّن خلال منتصف القرن الثامن عشر والتي أفضت للثورة الفرنسية وتلتها. كلا الشكلين يسقطان على الخط التاريخي للمملكة السعودية، فبهيئة ما تمثّل صيرورة تطوّر آلية الحكم السعودي وبالطريقة التي آلت لها اليوم مرآةً للصيرورة التاريخية للتغيّرات البنيوية للملكيات الأوروبية منذ القرن السابع عشر، وإن كانت الوتيرة والحجم -وبطبيعة الحال النوع- مختلفة. ولعلّه من الأهميّة هنا العودة إلى المقطع المصوّر للإعلان الذي قام به محمد بن سلمان لمشروع ما يسمّى «ذا لاين»، فالرجل هنا وبشكل مباشر وصريح يحاول إسقاط مملكته كامتداد للتاريخ الأوروبي والثورة الصناعية وكأن التغييرات الهيكلية التي قام بها هي امتداد للحداثة الغربية وبل تطور عنها.

تفصيل هذه المقاربة هو كالتالي، تعكس «السياسة التشريحية» النمط القانوني التقليدي/الكلاسيكي للحكم الملكي، أي أن السلطة تتعامل مع الشعب كالجسد بآلة تشريح فالغرض هنا ترويضه قدر الإمكان ونزع سبل القوة منه واقتطاع لحياته وثرواته، والأهم هو أن التنمية الاقتصادية تخضع لمبدأ يقوم على تواز بين الفائدة للحاكم ودوام طواعية المحكومين.
من هنا، يقوم التاريخ السياسي السعودي على قاعدة سياسة ردة الفعل، فللأسرة الملكية هدف واحد هو الحفاظ على بقاء الكيان وديمومته. وعليه لأي متتبع لمسار السياسة السعودية داخلياً وخارجياً أن يلاحظ أن القرارات السياسية والاقتصادية مهما كبرت أو صغرت تنطلق من ردة الفعل، والخشية من الأثر الذي سينتجه عدم تبني هذه التغييرات: من إنهاء العبودية وافتتاح التلفاز وتعليم البنات مروراً بكتابة «النظام الأساسي للحكم» ومجلس الشورى وتعديل المناهج والانتخابات البلدية.



فلا وجود لخطط مستقبلية ومنظور استراتيجي سوى الحفاظ على الوضع القائم (status que)، إلى أن يتطلّب الحفاظ على ذلك الوضع وعلى منظومة ترويض الشعب تغييرات مستجدة، لذلك تحكم آليةَ تحويل الريوع النفطية لمشاريع وبنية تحتية الاعتباطيةُ ووعود سرابية. فعلى سبيل المثال، تشكّل مرحلة موت ملك وتولي آخر إحدى اللحظات التي تتحوّل فيها الدولة إلى أقرب شيء من الممكن تسميته بالفاعل، فالمسألة هنا ليست مجرّد نقل الملك من فرد لآخر، بل إن الدولة ومؤسساتها تبدّل جلدتها لتستلم حاشية بأكملها مقاليد الأجهزة البيروقراطية وتنتهي أخرى. وينعكس عن مخاض هذه العملية عدة مشاريع وتغييرات لإذعان بداية الحكم الجديد من تغيير شكل العملة أو حتى تغيير أسماء الشوارع (بعد موت الملك عبد الله كنت في العاصمة الرياض، لنلاحظ، أنا وبعض الأصدقاء، كيف غيّرت أمانة الرياض اسم شارع الأمير سلمان إلى الملك سلمان قبل حتى دفن جثة الملك السابق، في رسالة بيروقراطية للحكم الجديد). يضاف إلى ذلك الإعلان عن مشاريع كبرى؛ من جامعات تؤرّخ لاسم الملك الجديد كجامعة الملك عبد الله نظيرة لجامعة الملك فهد ومدينة الملك عبد الله الرياضية نظيرة لأستاذ الملك الفهد الدولي. إن فهم هذه الآلية يحيلنا إلى معرفة سبب طواعية الأجهزة البيروقراطية السعودية، فحتى سياسات قاسية كاعتقالات «الريتز كارلتون» أو تصفية الأجنحة وإقصاء التيّارات الدينية لم تنتج ردة فعل مما يصطلح عليه الدولة العميقة (يستخدم هذا المصطلح بابتذال مهول في السياسة العربية اليوم).

تتماشى هذه السياسة التشريحية مع الشكل الكلاسيكي البنيوي للملكية (ذاتٌ ملكية، سلطة دينية، طبقة اقتصادية) وغرض هذه السياسة في الأخير الحفاظ على هذه البنية. الأمر ذاته في المملكة السعودية -مع فوارق- فيما يسمى بتحالف «الشيخ والأمير»، أي السلطة السياسية والدينية، وهو تحالف يقوم على علاقة نفعية خاضعة للشد والجذب وفقاً لبُعدين: الأوّل داخلي، ضمن ترتيبات الشرعية الدينية للحكم. والثاني، والأهم، هو خارجي وخاضع لديناميكية علاقة السعودية بالولايات المتحدة؛ من تمكين التيارات الدينية في الحرب ضد التيارات القومية واليسارية منذ الستينات، والتحشيد الجهادي في أفغانستان بداية الثمانينات، إلى قمعهم واعتقالهم في بداية التسعينات بعد تمرّدهم على خلفية سماح الدولة للقوات الأميركية بالتمركز في السعودية إبّان حرب الكويت، وصولاً إلى استنفارهم مرّة أخرى في سوريا.
إلا أنه، وكما في الحالة الأوروبية، يلعب شكل وقوة الطبقة الاقتصادية دور المفصل الرئيسي في تشكيل بنية الحكم. فخليجياً، وفي عصر ما قبل النفط، شكّلت شريحة التجّار بنية مستقلة نسبياً عن السلطة السياسية أي النخبة القبلية الحاكمة. إلا أنه ومع اكتشاف النفط ابتلعت النخبة الحاكمة شريحة التجار ليصبح هنالك توأمة بين القطاع الاقتصادي الخاص والأمراء، فلا وجود لبرجوازية أو طبقة رأسمالية مستقلة في الخليج كما يلاحظ الباحث الفلسطيني آدم هنيّة.

المجتمع الحيوي
يوصلنا هذا للتقسيم الثاني لفوكو «السياسة الحيوية»، وهو التحوّل في سياسة السلطة من اقتطاع الحياة بشكل تدريجي إلى محاولة الاستثمار فيها وممارسة سلطة إيجابية عليها عبر المراقبة الدقيقة والضبط الشامل في ما يسمّيه ولادة «السلطة البيولوجية». أي التركيز على التكاثر والتعمير ومعدّل الحياة، مضيفاً أن هذه السلطة كانت عنصراً ضرورياً لنمو الرأسمالية. أي بالشكل السعودي إعادة هيكلة الدولة لخدمة رفاهية شريحة معينة وتحسين نمط حياتها ومستواها المعيشي، بل وتشكيل المجال العام بما يناسبها ويبهر الغرب تحت عناوين على شاكلة «المنظر الحضاري»، وهذا العنوان تورية للمنظر الطبقي. ومن المهم التمييز أن شكل الرأسمالية التي كانت تنمو في تلك الحقبة وخلال القرن التاسع عشر ويتحدّث عنها فوكو قائمة على التصنيع والإنتاج في مقابل رأسمالية اقتصاد الخدمات في السعودية والتي تفضي فقط إلى تكوين واحات استهلاكية فارهة، فالحيوية الاجتماعية في السعودية هي حيوية المجتمع المستهلك ذي نمط اقتصادي قائم على الاستهلاك «الذكي» بأحدث وأرقى وسائل الدفع والمعاملات التجارية والخدمية.
رهبة ابن سلمان من طموح أي من أفراد آل سعود بالانقلاب عليه جعله يأتمن أفراد من خارج البيت الملكي


النقطة هنا أن تمظهر هذه السياسة الحيوية هو انعكاس لصعود البرجوازية الأوروبية كطبقة اقتصادية تعمل على زحزحة البنى القديمة من ذات ملكية وسلطة دينية، والتي أخذت أقصى مظاهرها خلال الثورة الفرنسية. يعبّر ماركس في هذا الصعيد، وفي معرض ردّه عن منظور التفريق بين القوة السياسية للمَلكية وقوة التملك والمُلكية الخاصة، عن مرحلة ما قبل وصول البرجوازية للسلطة واقصائها للكنيسة والملكية في فرنسا، بأن البرجوازية كطبقة لم تشكّل طبقة سياسيةً بعد.
فما الثورة الفرنسية وما عهد الإرهاب «Reign of Terror» سوى إزالة لأنقاض البنية الإقطاعية، فلم يكن من الممكن حصول هذه الطبقة على سلطة السياسية لولا الفعل الدموي للشعب، والكلام هنا لماركس، الذي يضيف أن لولا هذا التغيّر في الشروط الاقتصادية -أي سيطرة البرجوازية على الدولة وتحوّلها لوكيل في يدها- لكان أمر نهاية الملكية المطلقة أمراً لحظياً. (هذا المنظور للثورة الفرنسية يعطف على ملاحظة للصديق سعيد محمد حول عملية التهميش المتعمّد للثورة البلشفية وشخص لينين، في مقابل ما نراه من حالة التقديس للثورة الفرنسية خصوصاً للشباب اليساري الليبرالي حيث ينفرون من اللينينية، فلا مجال للنفاق الطبقي معها، الأمر ذاته لاحظته مع الشريحة الصاعدة المتعلمة للعلوم السياسية في أميركا من السعوديين، فما إن يبدأ الحديث حتى «يغصغص» ذكر الثورة الفرنسية ليظهر «كمتعلم» وكورقة التوت التي يحاول فيها تغطية جهله).
الخلاصة هنا أنه لم يكن هذا التحوّل لـ«السياسة الحيوية» لولا الصعود المتزايد للبرجوازية بشكل تهدف فيه لصنع ظروف ترتب فيها بنية الإنتاج من بشر وحجر بشكل يخدم الرأسمالية كنمط انتاج، وهذا بالضبط ما تختلف فيه الحالة السعودية بشكل بنيوي كمملكة يؤثّر على هدف الوصول إلى «مجتمع حيوي» بالمعنى الذي تنصّ عليه الرؤية الأميرية.

ثم جاء ابن سلمان
حدّت عملية التوأمة بين الطبقة الرأسمالية السعودية والأمراء والعوائل المرتبة بها من مجال حركتها كطبقة تسعى لمراكمة الثروة كهدف وحيد وأساس. حيث وعلى الرغم من الصعود الصاروخي لهذه الطبقة بعد اكتشاف النفط وتتابع الطفرات النفطية حكمت على هذه الطبقة الملكية/الرأسمالية سمة المحافظة، ففي الأخير تصادمت هنا نظرة المحاولة على الحفاظ على الملك والحكم السعودي وما يستدعيه من سياسات تشريحية والحفاظ على البنى التقليدية الدينية والقبلية مع أي طموح اقتصادي يعمل صدمة للمجتمع ويغيّر ليشكّل ما يطلق عليه «بيئة ملائمة للاستثمار».



ثم جاء محمد بن سلمان بـ«رؤية 2030» متجاوزاً كل هذا التحفّظ ومن داخل البنية الملكية، ليعمل كرافعة وحيدة لشبكات رأس المال السعودي محوّلاً الدولة إلى شركته، فالنيوليبرالية سعودياً هي حرّية الاستثمار مع الأمير. وعليه، اقتضى الأمر عملية تصفية البنى القديمة من المؤسسة الدينية وإعادة ترتيب شبكات رؤوس الأموال واحتكارها عبر اعتقالهم في «الريتز كارلتون».
بيد أن النقطة المحورية هنا هو أن واقع الانصهار بين الطبقة المالية والأمراء اقتضى عليه أن إعادة الترتيب هذه تستدعي اعتقال أبناء البيت الملكي. بكلام آخر، عدم الفصل بين المؤسسة الملكية للحكم والقطاع الاقتصادي الخاص حتم إن أي تغيير فيه يقتضي صراعاً أهلياً في داخل آل سعود كأسرة مالكة وهو -ولحسن الحظ- ما لم يقف عائقاً أمام الأمير الشاب، وليُسفر هذا التناقض الداخلي ترهّلاً في هيبة الذات الملكية.

ببعد معيّن يذكّرنا هذا بالوضع في العصر العباسي خلال القرن التاسع، فضمن صراع الأمين والمأمون سادت حالة من تفضيل تأمين العجم من غير العرب على المناصب. ففي الأخير كان السائد حينها أن الخلافة أمر حكر على العرب، ومن هذا المنطلق يحمل غير العربي سقف طموحات محدّد. أمر شبيه أحدثه محمد بن سلمان، فلم يسبق في تاريخ الدولة السعودية وحتى خلال صراع سعود وفيصل و«انشقاق» طلال أن تم تقويض الانتماء الملكي بالشكل الذي هي عليه اليوم. فرهبة ابن سلمان من طموح أي من أفراد آل سعود بالانقلاب عليه جعله يأتمن أفراد من خارج البيت الملكي. ولنصل لمشهد غير مسبوق بأن أفراداً خارج دوائر «أصحاب السمو الملكي، بل وحتى عوائل «أصحاب السمو»، يتربّعون على عرش أقوى الشخصيات المؤثّرة في المملكة، ولتكتب فيهم الأناشيد القبلية والأشعار تزلفاً للسلطة كسعود القحطاني. ولعل من أبرز تجليات ضمور المكانة الأميرية انزعاج الأمير عبد الرحمن بن مساعد من قناة «أم بي سي» التي قدّمت اسم تركي آل الشيخ عليه في إحدى إعلاناتها، ليغرّد «احترموا منازل الناس، ترتيبكم للأسماء لا تصح لا شعراً ولا سناً». الطريف هنا، أنه ستلحق كل الشخصيات التي راهنت على محمد بن سلمان وتخندقت ببجاحة خصوصاً في صراعه مع محمد بن نايف. وفي حال أي إعادة ترتيب أميركية -وإن كانت مستبعدة- للبيت السعودي نكبة أشبه بنكبة البرامكة. وإذا ما استمر ابن سلمان في تقويض بيت الحكم واحتكاره في شخصه فعملية استشراف المستقبل هنا لا تستبعد مشهد أن يؤكل هو يوم أكل الثور الأبيض.

خاتمة: «رؤية» تأكل في ذاتها
ترسم تاريخياً آلية التغيير والإصلاح في الملكيات عبر إعادة ترتيب لمراكز القوى التقليدية فيها، وتحجيم -أو إلغاء- إحداها على الأخرى. إلا أن رعونة وطمع محمد بن سلمان يدفعانه إلى احتكارها كلها، فمن جهة هو يمثّل البيت الملكي، ومن أخرى يريد أن يكون الرأسمالي والتاجر والمستثمر (ويدير الدولة بعقلية القطاع الخاص كما تصرّح ريما بنت بندر) بل ويريد أن يمثّل المؤسسة الدينية وأن يكون هنالك «إسلام محمد بن سلمان» على حد تعبير عائض القرني. انطلاقاً من ذلك، لا مجال سوى أن يكون مآل هذا الواقع هدّاماً لبنية الدولة، وهو هدم مرهون بإطار زمني مرتبط باستمرارية تدفق الريوع النفطية. فهو هنا لم يقم بالمناورة التاريخية للعوائل الحاكمة عبر المساومة على امتيازات الحكم أمام الطبقة الرأسمالية عبر صيغة توافقية عبر ما يسمّى بالملكية الدستورية، وموقعه كأمير ينتمي للعائلة التي تملك الحكم لا يخوّله أن ينقلب ويحتكر الحكم بصيغة تسمح له بالتوفيق بين مكانه السياسي والمعنوي وطموحاته النرجسية بشكل يجعله أن يكون «نابليون زمانه».



من هنا، ونحن ندخل العام الخامس منذ إعلان الرؤية، فلا تزال تُراكم الخيبات، حيث تظل التغييرات البنيوية التي حدثت تتسم بالهشاشة. ومع انصهار السلطات جميعها في شخص رجل واحد وهو ولي العهد، فلا يمكننا هنا فصل شخصية وطباع الأمير عن طبيعة عمل بنية الدولة وقرارات الرؤية؛ من بيع الشركة الوطنية للنفط إلى ارتهانها المذل للشعب ولكل عربي للرجل الأبيض وتكيّفيها لإبهاره وبناء البنية التحتية لخدمته، وكأن الدولة مزرعة بشرية تولد فيها كمواطن وتتكاثر وتعمل مستعيناً بحشد من العبيد من أقاصي آسيا لبناء مدينة يسكنها مستوطنون من أثرياء الأرض. كما أنشد الشهيد عبد الرحيم: «لا يذل الناس إلا سراتها»!