عمّان | سواء أراد الملك الأردني، عبد الله الثاني، تسمية التخطيط للانقلاب عليه «فتنة» أو «زعزعة أمن الأردن واستقراره»، فالنتيجة واحدة، والخيوط كلّها تشير إلى الرياض. وبعيداً عن آخر فيديو نشر للأمير حمزة اتّهم فيه أحد ضبّاط «الحرس الملكي» بالتجسُّس عليه في حادثة قديمة عمرها أكثر من سنتين، تريد الدولة الرسمية والعميقة لروايتها أن تُسمع وإن بطريقة غير مباشرة، وهي بذلك تَضرب عصفورين بحجر: تُسكت ضوضاء «البحث عن الأمير» على مواقع التواصل الاجتماعي، وتُحرق مصداقيته وتُحيّده، هذا أولاً، وثانياً تقرص خاصرة الأطراف الإقليمية المتورّطة، التي يُمثّلها باسم عوض الله. لذلك، جاءت الصورة الملَكية والفيديو اللذان أظهرا عبد الله مع ولي عهده، ابنه الحسين، وعمه الحسن، وأشقائه بمن فيهم حمزة، خلال زيارة أضرحة ملوك الأردن الراحلين ضمن فعاليات الاحتفال بمئوية تأسيس الدولة. هذا الظهور، وإن أراح كثيرين، إلا أنه تنغّص بظهور تسريب جديد يكشف تفاصيل إضافية عن «الفتنة»، عبر مقالة للكاتب فهد الخيطان، وهو مستشار تحرير وكاتب عمود يومي في صحيفة «الغد» الأردنية، ورئيس مجلس إدارة تلفزيون «المملكة» المدعوم مباشرة من الديوان الملكي، كما أنه الشخصية المقرّبة إلى البلاط ويقال إنه مَن يكتب خطابات الملك. يتجاوَز ما كتبه الخيطان مقالة عادية، بل هو اتهام مباشر لحمزة، وإشارة إلى أن امتثاله لا يعفيه من المسؤولية عن دوره في القضية. ونفى الخيطان الاعتقاد الأوّلي بأن رموز «الفتنة» عملوا على توظيف الأمير لتحقيق مآربهم، مستدركاً بأن المعلومات الاستخبارية التي جرى جمعها على مدار أشهر تشير بوضوح إلى دور مختلف له، أي «انخراط كامل في عمليات التحضير للساعة الصفر». وذكّر الكاتب بردّ فعل الملك سابقاً على أفعال شقيقه بـ«محاولة احتوائه عبر النقاش بمرجعية دستورية»، لكن حمزة «بلَغ به الوهم حدّاً جنونياً عندما اشترط تولّي قيادة الجيش والإشراف على الأجهزة الأمنية ليتوقّف عن نشاطاته المناوئة للحكم». لا يعدو كلام الخيطان كونه «ثرثرة ملكية»، لكن الجزء الأخطر منه هو ما اختصّ بعوض الله وربطه بالأمير حمزة ولا سيما مع وصفه الأول بأنه «انخرط قبل ذلك في نشاط سياسي خارجي لإضعاف موقف الأردن في مواجهة الضغوط للقبول بصفقة القرن ومخرجاتها الكارثية على مصالح الأردنيين ودولتهم وحقوق الفلسطينيين التاريخية في الحرية والاستقلال».
هنا تأكيد لاتهام الرياض بالتلميح لا بالتصريح، كون عوض الله يشغل منصب المستشار الاقتصادي والسياسي لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي تصادَم مع عبد الله خلال مرحلة الضغوط على عمّان لقبول «صفقة القرن» كما هي. وأكد الخيطان أن «مجريات التحقيق حين تُكشف ستُبين كيف يمكن للمصالح والطموحات والأوهام أن تجمع بين الطرفين». أمّا المفاجأة التي أثارها، فهي إشارته إلى شخصية مقيمة في لندن، هي «دحلان السعودي»، بصفته الجهة التي يُسرّب إليها حمزة التسجيلات وكان ينسّق معها. ودحلان هذا، خلافاً للاعتقاد بكونه القيادي المفصول من «فتح» محمد دحلان، هو بروفسور قانون دولي يدعى مالك دحلان ويحمل الجنسية القطرية. كما يُعرّف عن نفسه بأنه مدير «معهد قريش للقانون والسياسة»، وأستاذ القانون الدولي والسياسة العامة في «Queen Mary University of London»، ومساعد في مؤسّسة «RAND»، وله حسابان على «تويتر» بالعربية والإنكليزية.
أخيراً، يشير الخيطان إلى «التضامن الدولي من قادة ما كانوا ليقبلوا إطلاق حملة تضامن ودعم مع الأردن لو لم تتوفّر بين أيديهم معلومات موثقة ومصادق عليها من أجهزتهم تؤكد صحة الموقف الرسمي الأردني». لكن هذه المقالة لم تكن كلّ شيء، بل تبعها تقرير في موقع «ميدل ايست آي» أشار إلى كشف المخابرات الأردنية رسائل مشفّرة، صوتية ومكتوبة، من عوض الله، ووليّ نعمته، ابن سلمان، بخصوص الكيفية والتوقيت لزعزعة حكم عبد الله، مستغلَّين الأوضاع الاقتصادية وتبعات جائحة كورونا على الداخل الأردني. وفق هذا الموقع المقرّب أيضاً من قطر، تمّ إعلام الجانب الأميركي بالتطوُّرات، ووصل الأمر إلى الرئيس جو بايدن نفسه الذي دعم الملك الأردني، وهو ما رأى فيه القصر تحذيراً لابن سلمان وحليفه في الإمارات محمد بن زايد، وحتى رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، من إطاحة عبد الله. وهذا يعني أن الأخير كان يعلم بالمكيدة التي تحاك ضدّه، وزار السعودية لمقابلة ابن سلمان تحديداً والطلب منه دعمه ودعم ولاية عهد ابنه، وإبلاغه أن زعزعة استقرار الأردن لن تفيد أيّ طرف.
تقول الرواية إن ابن سلمان احتضن عبد الله وابنه، وبالغ في الردّ الإيجابي عليهما ومنحهما دعمه، وذلك قبل نحو أسبوع من حادثة مستشفى السلط التي أشعلت المنافسة بين عبد الله وشقيقه حمزة. على خطّ موازٍ، كانت الرسائل المشفّرة إيّاها مستمرّة، ولذا كان لا بدّ من اتّخاذ إجراء، فتمّت الاعتقالات، ورُفض الطلب السعودي بتسليم عوض الله، حتى إن الملك رفض مقابلة وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان. وما يبقى غير مفهوم هو علاقة حمزة بعوض الله، والتي ذكر أصدقاء الأخير أنها تعود إلى وقت طويل منذ 2018، وهو العام نفسه الذي أعفى فيه الملك عوض الله من مهمّاته مبعوثاً خاصاً إلى السعودية، وأحال إخوته حمزة وفيصل وعلي على التقاعد من الجيش. على ما يبدو، كان طموح عوض الله رئاسة الوزراء في الأردن، وهو أمر عارضه مدير المخابرات، محمد الذهبي، المسجون حالياً على ذمّة قضايا مالية. والجدير ذكره، هنا، أنه منذ الحراك الأردني في موجة «الربيع العربي» عام 2011، لم يتولّ أيّ شخص من أصول فلسطينية منصب رئيس الوزراء، إذ كان آخرهم سمير الرفاعي، ولذا تبخّرت طموحات عوض الله، الذي تَغيّر موقفه من الملك إلى عداء وانتقاد يصبّهما في آذان السعوديين والإماراتيين، في مرحلة مورست فيها ضغوط كبيرة على عمّان أيام «صفقة القرن».
حالياً، جرى تحويل القضية إلى الادّعاء العام، وسيَمثل فيها عوض الله متّهماً، على أن يُستثنى الأمير حمزة من المحاكمة كون قرار الملك واضحاً بهذا الخصوص، وهو أن قضيّته ستكون داخل العائلة الهاشمية.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا