نظام المملكة الأردنية خطّ أحمر لدى تل أبيب. حقيقةٌ لا يمكن لاثنين أن يختلفا عليها، وعلى ذلك يمكن القياس أو تحليل الوقائع والمعطيات كما تَرِد من عَمّان. والخطّ الأحمر لا يرتبط بكون النظام مَلَكياً أو جمهورياً أو خلافه، بل بهويّته وتوجُّهاته وموقفه الحازم الذي لا يتزعزع إلى جانب الكيان العبري، وإن كان للعتب والزعل اللذين لا يُغيّران من الماهية شيئاً، صدًى بين الحين والآخر لدى الجانبين. وللأردن، من ناحية إسرائيل، دور وظيفي في تحقيق أمنها ومنْع التهديدات عنها، أجادت المملكة القيام به إلى حدّ الاحتراف، الأمر الذي لا يستقيم معه أيّ حديث عن اشتراك إسرائيلي في تغيير النظام هناك، وإن كان ذلك لا يمنع، في الوقت نفسه، أن يكون لتل أبيب دور في السعي إلى تغيير رأس النظام دون النظام نفسه، أو أن لا يكون لديها مانع من تغييره على أيدي آخرين باتوا يصطفّون إلى جانبها، إذ إن الانتقال، والحال هذه، سيكون من الحسن إلى الأحسن، ومن الملك عبد الله إلى ملك عبد الله آخر، بغضّ النظر عن اسمه الفعلي.يبدو واضحاً، ممّا يرد من تل أبيب في صورة تسريبات وتقارير إعلامية أو على لسان عدد من المسؤولين - على قلّة عددهم -، أن هناك نفياً غير مباشر لأيّ دور لإسرائيل في تغيير النظام، وهو ما يُعبّر عن حقيقة موقف تل أبيب، لكن لا شيء دالّ إلى الآن على موقف واضح من رأس هرم المملكة، الملك عبد الله الثاني. وهنا اللافت في موقف إسرائيل، والذي يقرب من أن يكون خالياً من الأسف لما حصل في الأردن، بعد إحباط تغيير الملك إلى ملك يكون أكثر قرباً ومراعاة، ليس لأمن الكيان الذي يجيد عبد الله الثاني حفظه جيداً، بل للمصالح الشخصية لحكّام تل أبيب، وكذلك لمشاريع وأحلاف تتبلور بين إسرائيل وأنظمة الخليج، وفي المقدّمة النظام السعودي.
ما يجدر التنبيه إليه، هنا، هو أن إسرائيل لن تحظى بما يشبه نظام المملكة الأردنية، الذي وَضَع نفسه في تصرُّف إرادتها الأمنية، بشكل مطلق تقريباً، الأمر الذي يشمل التوأمة الاستخبارية في جميع المعابر الجوية والبحرية والبرّية للمملكة، وتسهيل الأخيرة شنّ هجمات واعتداءات إسرائيلية في الإقليم. إلا أن للشعب الأردني، وهو التوأم للشعب الفلسطيني، موقفاً مغايراً من إسرائيل، الأمر الذي يفرض على الملك ومسؤولي نظامه مراعاة مزاج الأردنيين في خطابهم وظهورهم العلني إلى جانب الإسرائيليين، وذلك هو ما يؤدّي إلى بروز تباينات في مسائل جُلّها مرتبطة بالشكل، من دون تغيير في جوهر العلاقة، وتحديداً في الجانبَين الأمني والاستخباري.
يُتوقّع أن تعمل تل أبيب على إخفاء أيّ إشارة دالّة على تورّطها


إلّا أن طارئاً فَرض نفسه على طاولة القرار في تل أبيب، وهو موقف الحلفاء الجُدُد من المملكة الأردنية، وتحديداً رأس الهرم فيها، أي الملك عبد الله، الذي يبدي معارضة للسياسات المتعلّقة بالحلف المستجدّ بين إسرائيل وأنظمة خليجية تقودها السعودية، والتي من شأنها أن تنعكس سلباً على جملة مصالح ترتبط بالأردن وهويّته، وربّما أيضاً استمرار وجوده. وهنا مكمن الخلاف، والدافع وراء السعي إلى تغيير رأس المملكة، بما يؤدي إلى مجيء ملك آخر يُبقي على هوية النظام كما هي من دون تغيير لناحية الموقف من إسرائيل، وفي الوقت نفسه يعمل إلى جانب كلّ المشاريع الموضوعة لتصفية القضية الفلسطينية، والتي ستكون على حساب الأردن نفسه.
لا يحتاج إثبات الدور الإسرائيلي في محاولة الانقلاب الفاشلة في الأردن إلى كثير من الأدلة، ولو كان في حدود الرضى المبطن، وهو أدنى ما يمكن تأكيده ممّا يَرِد من عمّان، وكذلك من تل أبيب. لكن ما يهمّ، الآن، هو البحث في موقف النظام الأردني من إسرائيل بعد أن تَلمّس هذا الدور بشكل شبه مباشر. والإجابة، هنا، قد تكون أيسر من التساؤل نفسه: لا تغيير في موقف الأردن من إسرائيل ومصالحها الأمنية والعسكرية والاستخبارية؛ وإذا كانت ثمّة فروق فهي في «اللاودّ» بين الملك وحكّام إسرائيل، لا مع إسرائيل الدولة، وهذه في ذاتها تختصر كلّ تداعيات الموقف البيني في مرحلة ما بعد محاولة الانقلاب.
على المقلب الآخر، يُتوقّع أن تعمل إسرائيل على إخفاء أيّ إشارة دالّة على تورّطها. وهذه المرّة، لن تتحدّث عن أنها «كانت تعلم» كما هي العادة المتّبعة لديها إزاء أيّ تغيير في الإقليم والعالم، بل سيكون الصمت سيّد الموقف، وفي الوقت نفسه العمل على تفنيد الحقائق كما تَرِد من عمّان، ومن بينه وجوهه رفْض أيّ دور لمؤسّساتها الاستخبارية والأمنية في محاولة الانقلاب، وكذلك رفْض أيّ دور لأفراد إسرائيليين، أو على الأقلّ رد أفعالهم إلى إرادتهم الشخصية، من دون ربطها بها كدولة.
من ناحية تل أبيب، ما كان الانقلاب ليُمثّل تهديداً لها، وكذلك فشل الانقلاب؛ إذ إن التداعيات في كلتا الحالتين ستكون مقتصرة على الشكل دون المضمون. وعليه، فإن اليوم الذي يلي، من ناحية إسرائيل الدولة ومصالحها، يكاد يكون متطابقاً مع اليوم الذي سبق.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا