إرسال قوة بحرية اختارت الكويت أن ترسل قوات بحرية إلى المنامة عام 2011، على خلاف السعودية التي أرسلت قوات برية، يفوق تعدادها ألف جندي، عَبَروا جسر البحرين - السعودية في 14 آذار/ مارس 2011، فيما أرسلت الإمارات قوة شرطية. القوة الكويتية وصلت إلى الحدود البحرية للجزر في 20 آذار، أي بعد نحو خمسة أيام من إعلان حالة الطوارئ. يصحّ القول، أولاً، إن اختيار الكويت إرسال قوة بحرية يجعل من الأحاديث الحكومية عن غزو إيراني للبحرين أقرب إلى الادعاءات الفارغة؛ فلا يمكن أن ترسل الكويت قوات ستحطّمها الزوارق الإيرانية المفترضة. ثانياً، إن إرسال قوة بحرية، يعكس، ربما، الرأي الكويتي بعدم جواز الزجّ بقوات "درع الجزيرة" لقمع الشعوب، فقد أُنشئ هذا "الجيش الخليجي" لمواجهة الغزو الخارجي لأيّ من دول الخليج الستّ. ثمّ إن وجود قوة بحرية يمكّن الكويت، ثالثاً، من تفادي الالتحام بالمعتصمين، والتورّط في الدم البحريني الحرام، كما فعلت الإمارات والسعودية. ويمكن أن نضيف، رابعاً، أن الكويت ترسل بذلك، ربّما، نصيحة إلى حكومة البحرين بأن تتعاطى بضبط النفس مع المحتجّين السلميين.
خامساً، إن الموقف الكويتي كان يأخذ بالاعتبار معضلة كويتية داخلية، فقد انقسم المجتمع بين مؤيّد للحكومة البحرينية، وآخر مناصر للمحتجّين. وكذا، انقسم الإقليم؛ فبينما أيّدت السعودية والإمارات قمع الاحتجاجات، دعت إيران والعراق إلى علاج الخلافات بالتي أحسن، وهذا بند سابع، لا بدّ أن يكون حاضراً في العقلية الكويتية الحاكمة. لكن عموم الموقف الكويتي كان ينبع من رؤية تقوم على "الحياد" أو "الحياد الإيجابي" إزاء المعضلات الإقليمية، وهي خبرة طَوّرها الكويتيون - الحُكم أكثر من القطاعات الشعبية، في ظنّي - بعد أن دفعت الدولة الصغيرة ثمناً غالياً جرّاء تورّطها في النزاع الإيراني - العراقي. وكان الشيخ صباح الأحمد الراحل أحد عرّابي ذاك التدخل، وقد أدرك بعد غزو العراق لدولته أن التدخل في قضايا الجوار يتمّ بالكلمة الطيبة، وإلّا فتفادي نصرة طرف على آخر أولى.

إيفاد لجنة حوارية
لم يتأخر أمير الكويت الراحل في إرسال وفد لتهدئة النفوس أولاً، ودرس إمكانية القيام بدور لتشجيع المصالحة، بين الملك الذي تقلّد السلطة قبل نحو عشر سنوات من اندلاع الاحتجاجات الصاخبة، والمعارضة التي حملت على أكتفاها ما كان يُظنّ أنه "مشروع الملك الإصلاحي"، ووجدت نفسها، بعد عقد من صدور دستور مملكة البحرين، أمام حكومة أحادية، وحائط برلماني مسدود، وممارسات تمييزية متنامية، وتجنيس يطيح بالخصوصية المعروفة عن البحرين.
وصل المندوبون الكويتيون في ظلّ تواصل الاحتجاجات وزيادة رقعتها، واتّضاح أن حجم الأزمة آخذ في التفاقم، وذلك إثر قيام الجيش البحريني، في 17 شباط/ فبراير 2011، بإطلاق النار على المحتجّين في دوّار اللؤلؤة، وهي عملية عسكرية قادت إلى استشهاد مواطنين، وتمّت قبل نحو شهر من التدخل السعودي العسكري. ضمّت اللجنة الحوارية مستشار أمير الكويت، محمد أبو الحسن، الذي كان سفيراً للعاصمة الخليجية في الأمم المتحدة إبّان الغزو العراقي للكويت. كما ضمّت اللجنة رجل الأعمال المعروف علي المتروك، ورجل الدين البارز الشيخ حسين المعتوق، ونائب رئيس غرفة التجارة والصناعة الكويتية عبد الهادي الصالح. ويعكس المستوى الرفيع لتشكيلة اللجنة، القلق الذي يساور الكويت من تداعيات الخلاف البحريني، الآخذ في التزايد، على وقع انتفاضات "الربيع العربي" التي اكتسحت الإقليم العربي، مشرقاً ومغرباً، ولم تستثن الخليج.
الكويت مؤهّلة أكثر من غيرها لتطييب خواطر المختلفين في المنامة، وربما للمضيّ في تسيير المباحثات البحرينية - البحرينية، عبر حثّ المعارضين والحكم على التعقّل والوسطية. الأمير الكويتي يتزعّم دولة شقيقة للشعب والحكم، ويحظى بالاحترام لدى الأطراف جميعها، ومؤهّل لأن تستمع لنصائحه مختلف الجهات. وما كان لجهد قطري حواري أن يثمر، بالنظر إلى التباينات الخليفية - السعودية مع الدوحة، والتي تنامت بعد 2017، واستٌثمرت لإدانة مفبركة للشيخ علي سلمان، زعيم كبرى تنظيمات المعارضة، "الوفاق"، بالتخابر مع الدوحة.
في 21 شباط 2011، وصل الوفد الكويتي، واستمع إلى وجهة نظر وليّ العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة، ووجهة نظر آية الله الشيخ عيسى قاسم. واتّضح، للوفد الزائر، أن التباعد في المواقف بين الطرفَين البحرينيَين ملحوظ. لم يكن الطرف الكويتي الرسمي مرتاحاً إلى السقف العالي الذي ترفعه قوى المعارضة، خصوصاً مطلب "الحكومة المنتخبة". في المقابل، لم تكن الكويت الرسمية ترى في تلويح الحكم البحريني بالرصاص إلّا مؤشراً إلى فاجعة قادمة، يجدر بذل الجهد لاحتوائها، ما أمكن. مع بداية الاحتجاجات (النصف الثاني من شهر شباط 2011)، أَمِلت المعارضة أن تتمّ حوارات جادّة مباشرة مع القصر، أو مَن يمثّله. لم تنظر المعارضة إلى الوعود القادمة من القصر بإحداث الإصلاح أو إقالة رئيس الوزراء مقابل الانسحاب من دوار اللؤلؤة على أنها حقيقية أو جادّة، في ظلّ تزعزع الثقة. رفعت المعارضة سقف مطالبها نحو انتخاب مجلس تأسيسي، يكتب دستوراً جديداً. ونظر المراقبون إلى هكذا مطلب على أنه جزء من رفع السقف للتحضير لمفاوضات مرتقبة.
لم يتأخر أمير الكويت في إرسال وفد لدرس إمكانية القيام بدور لتشجيع المصالحة


مثل هذه التكتيكات أثارت قلق السعودية والإمارات، وعموم الإقليم المعادي لإشراك الشعوب في القرار. لكن ما كان يقلق الكويت الرسمية يتمثّل تحديداً في الحديث المعارض المستمر عن انتخاب رئيس الوزراء. بالنسبة إلى الأمير الكويتي الراحل، والذي لا يوافق على مطلب كهذا في الكويت، لن يقبل بتحقيقه في البحرين. وقيل ذلك صراحة من قِبَل جهات كويتية عدة للطرفين "الوفاقي" والمعارض. مع ذلك، فإن الصيغة التي كان يمكن التعاطي معها، أو تفهّمها كويتياً، هو أن تراعي التشكيلة الحكومية الرأي البرلماني، وذلك بأن يُجري الملك مشاورات يسمّيها دستور دولة الكويت "تقليدية" قبل تشكيل الحكومة، تفضي إلى أن يكون الطرف التشريعي المنتخب جزءاً من الإطار التنفيذي. وقد يُفهَم من ذلك أن السقف الدستوري الكويتي، والممارسة الكويتية البرلمانية هو ما كان الطرف الكويتي يرى أن الأَوْلى بالمعارضة البحرينية طرحه، عوض الحديث عن "الملكية الدستورية" بسقفها حمّال الأوجه. ولِمراقب مثلي، أرى أن الأساس الدستوري المُبين في دستور دولة البحرين (1973)، والشبيه بدستور دولة الكويت، يصلح كإطار لعملية تفاوضية منتجة. وقد تبنّيتُ هذا الرأي في ذروة 2011، وهو رأيي الآن.
استطراداً، لم تكن "الوفاق" في 2011 تطالب بانتخاب مباشر لرئيس الحكومة من قِبَل الشعب على الطريقة البريطانية، وما كانت تتحدّث عن تجاوز الملك في تشكيل الحكومة، لكنها كانت تريد إحداث نقلة جادّة في العملية السياسية، بما يجعل ممثلي الشعب طرفاً فاعلاً في مركز القرار التشريعي والرقابي والتنفيذي. بالنسبة إلى معضلة مجلس الشورى المُعيّن، الذي تراه المعارضة مُسقِطاً لأطروحات مجلس النواب "المنتخب"، فإن التصوّرات "الوفاقية" المتعدّدة تَضمّنت إلغاء مجلس الشورى، أو تقليص عدد أعضاء إلى النصف، وهي مسألة لا تشغل ذهن الطرف الكويتي، بالضرورة، فلا وجود لمجلس مُعيّن فيها، وعدد الوزراء المعيّنين في "مجلس الأمة" (البرلمان الكويتي) لا يزيد عن الثلث.
قبل التدخل السعودي العسكري في المنامة (منتصف آذار 2011)، وافقت المعارضة على بنود سبعة عرضها ولي العهد سلمان بن حمد كأطر للحوار، تضمّنت "مجلس نواب كامل الصلاحيات، حكومة تُمثّل إرادة الشعب، دوائر انتخابية عادلة". تَجاهلت الحكومة الموقف المعارض، والرؤى الكويتية، وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد. وبذلك، انتصر التوجّه السعودي والإماراتي المنادي بالحلّ الأمني، على الموقف الكويتي الذي يعتبر مشجّعاً للوصول إلى تسوية سياسية. اصطدمت النصائح الكويتية بالخطّ السعودي، وبحائط رسمي بحريني، مع اتّخاذ المتشددين في القصر زمام المبادرة، وتغييب وليّ العهد، الذي كان وجوده في المشهد، بين منتصف شباط ومنتصف آذار 2011، يُفسّر على أنه قد يعكس رغبة رسمية في الحوار، أو في استمزاج رأي المعارضة على الأقل، أو تأجيل الحسم العسكري. القريبون من تلك اللحظة يسجّلون أن أطرافاً كويتية رسمية لم تكن مرتاحة من العنف الحكومي البحريني، ذلك أن آل الصباح لا يقتلون المعارضين في الكويت، ولا مبرّر لديهم لقتل المعارضين في البحرين.
في 25 آذار 2011، وصل وفد من جمعية "الوفاق" إلى الكويت، وتَواصل مع لجنة الحوار الكويتية، التي رحّبت بما اعتبرته تغيّراً في موقف المعارضة الراغب في الحوار وفق مبادرة ولي العهد. مع ذلك، فإن رئيس مجلس الأمة حينها، جاسم الخرافي، الذي التقى الوفد "الوفاقي"، كان صارماً في قوله للوفد إنه "لن ينقل رسالة وطلب وساطة إلى أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد، إلا بعد الحصول على كتاب موقّع من قادة المعارضة البحرينية، يطلبون فيه الوساطة دون أيّ شروط، وبعيداً عن المطالب المتعلّقة بنظام الحكم، والمملكة الدستورية، وتنحية رئيس الوزراء، وكذا ألا تربط المعارضة قبولها الحوار بما تسمّيه وقف العنف الحكومي البحريني". كانت رسالة قاسية ولا شكّ، تكشف تعقيدات التموضع الكويتي، الذي يعمل على إرضاء كلّ الأطراف. بيد أن المعارضة و"الوفاق" ما زالتا تتذكّران أمير الكويت بالخير، وتثنيان على مبادرته في 2011، وعلى تواصله للمساهمة في إطلاق سراح الشيخ علي سلمان (2014). المساعي الكويتية لم تنجح، لكن مصادر المعارضة لم تشكّ يوماً في جدّية الأمير الراحل وصدق نواياه نحو تهدئة النفوس. ويشار في هذا الصدد إلى السفير الكويتي، عزام مبارك الصباح، الذي استمرّ في تواصله مع "الوفاق"، وكان آخره محاولته احتواء المشاكل الناتجة من اقدام الحكومة البحرينية اسقاط جنسية آية الله الشيخ عيسى قاسم (2016). بعد نحو عشر سنوات من تلك الجهود الكويتية، لا ينبغي التعاطي مع "المبادرة" الكويتية برومانسية، كما يُصوّرها بعض الإعلام المعارض، ولا بالنكران كما يفعل الطرف الحكومي.

إرسال قافلة طبية
بعد أيام من الهجوم الدامي على المعتصمين في دوار اللؤلؤة، تحدّثت الكويت، في 18 آذار/ مارس 2011، عن تحرّك "قافلة طبّية كاملة المعدات" باتجاه البحرين، "مكوّنة من 53 طبيباً وممرّضاً و21 سيارة إسعاف، تنفيذاً لتوجيهات أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، من أجل مساندة مملكة البحرين وشعبها، ونظراً لما توليه الكويت من اهتمام للجوانب الإنسانية". دخلت القافلة الطبّية الأراضي السعودية، وقطعت أكثر من خمسمائة كليومتر (المسافة بين البحرين والكويت تبلغ نحو 550 كيلومتر، يتمّ قطعها بالسيارة في حدود 5 إلى 6 ساعات)، وتبقّت لها مسافة قصيرة لتصل إلى المنامة، عبر جسر الملك فهد (25 كيلومتراً). انتظرت القافلة بضع ساعات في منطقة الخبر السعودية، قريباً من البحرين، واضطرت للعودة، بسبب منع سلطات المنامة القافلة من الوصول إلى مبتغاها.
اعتُقل عشرات الأطبّاء والممرّضين في البلاد، بسبب قيامهم بعلاج الجرحى، ومن أبرزهم الطبيب علي العكري، الذي اعتقل في آذار 2011، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات. وبالتالي، فإن الحاجة إلى الدعم الطبي كانت كبيرة، مع سقوط العشرات بين قتلى وجرى جرّاء التدخل العنيف لقوات الجيش في فضّ الاعتصام في دوار اللؤلؤة. الطواقم الطبية الكويتية كانت مرشّحة لتكون شهود عيان، لنقل الحقيقة المرّة لِما جرى من قمع للمواطنين.
المؤكد أن موقف الكويت من الحدث البحريني في عام 2011 مختلف عن غيره، لكن فشل الكويت في تحقيق مراميها يعكس بعضاً من التحدّيات التي تعانيها أيّ دولة خليجية تمشي عكس الاتجاه السعودي.