تخشى قطر من أن تكون المصالحة الخليجية إحدى ضحايا التطبيع الإماراتي - الإسرائيلي؛ ذلك أن دونالد ترامب قد لا يكون في وارد الضغط على أبو ظبي لإغلاق ملف التوتر مع الدوحة، ما دام الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأميركية قد ضرب العرب في أقدس قضاياهم، وحَقّق مكسباً لصالح كيان الاحتلال، وآخر لصالح حملته الانتخابية المضطربة.بيد أن عدم تأكّد الإماراتيين والسعوديين من إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية لحكم «الدولة العظمى»، يصبّ في فائدة القطريين، مؤقتاً على الأقلّ.
مثل هذا الشعور الذي يسري في ردهات قصور الرياض وأبو ظبي لا يتعارض ومصالح ترامب، بل لعلّه مفيد للرجل الباحث عن مكاسب إضافية، تزيد من زخم حملته التي تنوء بأعباء «كوفيد - 19» وتبعاته على الاقتصاد. قلق محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يكمن في ترجيحات متزايدة بسعي جوزيف بادين، في حال تبوّئه الزعامة، إلى إغلاق ملف الصراع بين الإخوة الأعداء في الخليج، ليس حبّاً بقطر ولا بغضاً بالسعودية، فكلاهما حليفان موثوقان، ولكن لكون ذلك الملف أحد مخلّفات الرئيس الجمهوري ترامب. وكما لعب الأخير على تكسير جلّ ما كان يُعدّ إنجازاً للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ونائبه المرشّح الحالي بايدن، على صعيد الداخل (التأمين الصحي مثلاً) والخارج (الاتفاق النووي مثلاً)، من المتوقع أن يلجأ الرئيس الديمقراطي العتيد المفترض إلى الصيغة ذاتها لتحطيم مخلّفات خصمه، في بلد يشهد تمترساً حزبياً تقليدياً، يبلغ مديات غير مسبوقة راهناً، باتت تطال العملية الانتخابية التي يُشكّك ترامب في صدقيّتها.
ويُعتقد أن فرضية وصول بايدن، في ظلّ استطلاعات للرأي تمنح المرشّح الديمقراطي أفضلية مستدامة منذ عدّة أشهر، يمكن أن تدفع ترامب إلى الضغط على حلفائه في نجد وأبو ظبي، قائلاً: شكراً على دعمكم لي بالتطبيع مع إسرائيل، لكن ذلك ليس كافياً لتحقيق إنجاز نوعي يقنع الناخبين البيض مِن حولي، وما دمتُ متّهماً بتأجيج الصراع الخليجي، فإن عليكم أن تمنحوني مزيداً من الأوراق الانتخابية، بإغلاق ملف الصراع مع جارتكم قطر، لعلّ هذا يساعدني في الحفاظ على الكرسي، ورعاية مصالحكم ضدّ قطر، أفضل من أن تُجبَروا على عقد مصالحة مع عدوّتكم الصغيرة اللدودة بضغوط من بايدن، القادم على حصان أسود ربّما، في الانتخابات المرتقبة، بعد أقلّ من ستة أسابيع. وقبل أيام، أعلن البيت الأبيض أن ترامب تباحث والملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، في «سبل تعزيز الأمن الإقليمي، وحثّ الرياض على التفاوض مع دول الخليج الأخرى لحلّ الخلاف»، وهو كلام مكرور، منذ دعم ترامب، في حزيران/ يونيو 2017، خطة سعودية - إماراتية لسحب السفراء من الدوحة، وإعلان قطر دولة مارقة داعمة للإرهاب.
إذا أعيد انتخاب ترامب تَنفّس ابن سلمان وابن زايد الصعداء وأُسقط في يد تميم بن حمد


يبقى أن ملفّ المصالحة مفتوح على كلّ الاحتمالات، بما في ذلك عدم الوصول إلى نقطة التقاء بين المتخاصمين. إحدى الفرضيات التي قد تجد صدًى، في هذا الإطار، هي أن تعيد الرياض علاقاتها مع الدوحة، وإن على مستوى محدود، يسمح لشبه الجزيرة القطرية بأن تعيد الحياة إلى منافذها البرّية والجوّية (يُعتقد أن السعودية، إضافة إلى مصر، هما الدولتان اللتان توليهما قطر أسبقية لإعادة العلاقات). وفق السيناريو المتقدّم، يمكن أن تعلن كلّ من أبو ظبي والمنامة والقاهرة فتح أجوائها لكلّ الطائرات التي تمرّ عبر الأجواء السعودية أو تصل مطارات المملكة، تماماً كما فعلت السعودية والبحرين للطائرات الإسرائيلية العابرة للأجواء الإماراتية، مع فارق جوهري: أن العلاقة بين الدوحة والرياض لن تصل إلى الحرارة التي تُميّز التحالف المعلن بين أبو ظبي وتل أبيب.
في كلّ الأحوال، فإن فرضية وصول بايدن تسقط فاعليتها في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل؛ فإذا أعيد انتخاب ترامب تَنفّس ابن سلمان وابن زايد الصعداء، وأُسقط في يد تميم بن حمد، الذي ستكون على بلاده مواجهة أربع سنوات أخرى من المقاطعة المؤلمة سياسياً واقتصادياً. مع ذلك، ربّما يحق للدوحة أن تشكر السماء لأن غزواً سعودياً لم يُنفّذ، بعدما كان، وفق ما أشيع في صحف غربية عريقة وعلى لسان أمير الكويت، على طاولة السعوديين وحلفائهم.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا