عشيّة الذكرى الأولى لمقتل جمال خاشقجي، لا تزال السعودية تسعى إلى احتواء إحدى أسوأ أزماتها للانعتاق من المأزق الذي دفعتها إليه حادثة القنصلية. خرج وليّ عهدها، محمد بن سلمان، في محاولة لترميم صورته أمام الغرب، مخاطِباً العالم بأسلوب بدا أنه مغاير لما دأب على ترداده طوال العام الفائت. وعبر برنامج «60 دقيقة» على شبكة «سي بي أس» التلفزيونية الأميركية، نفى، مجدداً، علمه المُسبق بالجريمة، لكنه أخذ على عاتقه «المسؤولية كاملةً» بصفته «قائداً»، وكونها «ارتُكِبت على أيدي أفرادٍ يعملون لحساب الحكومة السعوديّة». ومع ذلك، وبنبرة بدت أقرب إلى التحدّي، دعا ابن سلمان وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» التي تحمّله مسؤولية الجريمة، إلى نشر وثائقها التي تفنّد «مزاعمها». ولعلّ تذكير «الأمير الإصلاحي» بأن العلاقات التي تجمع الرياض بواشنطن «أكبر بكثير» من أن تتأثّر بمقتل صحافي سعودي، هو الخلاصة التي يبدو أن الطرفين توصّلا إليها باكراً.ومع عودة الزخم لينصبّ على حادثة القنصلية بعد انقضاء عام على وقوعها، يبدو أن ابن سلمان سيبقى، لفترةٍ طويلة، رهينة ورطته، على رغم غطاء دونالد ترامب الذي يظلّله. منذ الأيام الأولى، بدا مسار الإدارة الأميركية واضحاً في هذا السياق، وقد عبّر عنه، بدايةً، وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي دعّم خطّة الإدارة الأميركية في التعامل مع قضية الصحافي المقتول، والقائمة على تقديم «المصالح الاستراتيجية» على أي اعتبار آخر، ومساعدة المملكة على الخروج من مأزقها. إذ قال بعد مرور أسبوعين على الجريمة: «أعتقد أن من المهم، بالنسبة إلينا جميعاً، أن نتذكّر أيضاً أن لدينا ــــ منذ عام 1932 ــــ علاقة استراتيجية طويلة مع المملكة». يضاف إلى ذلك تأكيد ترامب الدائم على أهمية السعودية كمشترٍ للأسلحة الأميركية وكحليفٍ ضد إيران. لكن المشرعين الأميركيين، جمهوريين وديموقراطيين، كان لهم دورٌ مختلف في هذه القضية: تزخيمها دولياً. إذ لا يزال الكونغرس الأميركي يسعى الى الضغط على الإدارة عبر مشاريع قوانين تدين السعودية لضلوعها في جريمة اغتيال خاشقجي. وفي حين أن هذه القوانين غالباً ما تُقابَل بـ«فيتو» رئاسي، إلا أنها تشي بإصرار المشرّعين على مواصلة الحملة ضد الرياض، عبر تجديد إدانة ابن سلمان في حادثة القنصلية.
بيلوسي: «لا أرى أن حماية السعودية والدفاع عنها من مسؤوليتنا»


وفي مقالة لصحيفة «واشنطن بوست»، يقول السيناتور الديموقراطي، روبرت مينيندز، الذي قادَ مساعي لإدانة ولي العهد السعودي، «سنتذكر مقتل خاشقجي على أنه القشّة التي قصمت ظهر البعير... وأن العمل مع المملكة لم يعد في مصلحتنا». وهو إذ يعتبر أن ترامب «خان القيادة الأخلاقية التي نتوقّعها من رئيس أميركي، وقوّض ما توصّلت إليه أجهزة الاستخبارات، بهدف مساعدة السعوديين على التستّر على جريمة قتل»، يقول إن الكونغرس اضطرّ إلى التحرّك رداً على الإدارة، بدايةً عبر إدراج بند في «قانون ماغنتسكي» يفرض على ترامب تحديد أسماء المتورطين في حادثة القنصلية، وإصدار عقوبات في حقّهم. ومع رفض الإدارة الأميركية الإجابة على الطلب، دان مجلس الشيوخ بالإجماع تورّط ولي العهد في جريمة اغتيال خاشقجي، فيما صوّت مجلس النواب لمعاقبة المسؤولين. وأقر الكونغرس قانوناً مدعوماً من الحزبين لإنهاء الدعم العسكري الأميركي للتحالف السعودي في اليمن، والذي اعترض عليه الرئيس، مستخدماً «الفيتو». ورداً على ذلك، أصدر الكونغرس سلسلة من القرارات غير المسبوقة لمنع بيع آلاف القنابل الموجهة بدقة إلى حكومات «التحالف». لكنها قوبلت مجدداً بفيتو رئاسي، برّره ترامب بقوله: «هذا القرار سيضعف القدرة التنافسية العالمية لأميركا، وسيضر بالعلاقة المهمة مع حلفائنا وشركائنا». وفي تموز/ يوليو، مرّر النواب الأميركي مشروع «قانون المحاسبة»، ليلزم جهاز الاستخبارات الوطنية بأن يحدّد علانية الأشخاص الضالعين في قتل خاشقجي وفرض عقوبات سفر عليهم. وتأكيداً على المسار الذي يتبعه الكونغرس، ذكّرت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية، نانسي بيلوسي، في معرض ردّها، أخيراً، على احتمال توجيه ضربة لإيران رداً على الهجمات على منشأتَي «أرامكو»، بأنها لا ترى أن «حماية السعودية والدفاع عنها من مسؤوليتنا».