تفتح السلطات السعودية صفحة جديدة في سجلّها القاتم في المنطقة الشرقية، خصوصاً منها محافظة القطيف، التي خرج أبناؤها عام 2011 للمطالبة بحقوقهم المدنية والسياسية. صباح أول من أمس، داهمت قوات الأمن بلدة السنابس في جزيرة تاروت، حيث قتلت ثمانية من ناشطي الحراك المطلبي. بدت البلدة، بحسب المقاطع المصورة التي نشرها ناشطون في «تويتر»، أشبه بساحة حرب، غطّى الخراب منازلها وشوارعها والسيارات، فيما تناثرت بقايا الرصاص فيها، بعدما طوّقت عشرات المدرعات والعربات المزودة بالرشاشات الثقيلة عدداً من المنازل جنوب البلدة، وأمطرتها بالنيران.وأفادت مصادر محلية، «الأخبار»، بأن المدرعات والعربات المصفحة ظلّت تطلق الرصاص والقذائف طوال ست ساعات متواصلة، لافتة إلى أن قوات الأمن نصبت ثلاثة حواجز: الأول في شارع أُحد منعت من خلاله دخول المواطنين بلدة القطيف والخروج منها، والثاني عند جسر الأئمة مُنع من خلاله العبور عبر شارع الرياض، والثالث على الجسر الرابط بين حي المنيرة وأحياء الناصرة. كما حُظر، على إثر الحصار العسكري، على سيارات الإطفاء والإسعاف وسيارات المواطنين نقل الجرحى إلى المستشفيات وإطفاء النيران التي تصاعد دخانها في أكثر من موقع.
تزعم السلطات أن الشبان الثمانية، الذين من بينهم ثلاثة من أقارب الشيخ نمر النمر الذي أُعدم عام 2016، كانوا يعتزمون «استهداف منشآت حيوية ومواقع أمنية في البلاد»، بحسب بيان رئاسة أمن الدولة. لكن بحسب المصادر المحلية، «لم يكن أيٌّ من هؤلاء الشبان على أيٍّ من قوائم المطلوبين التي اعتادت السلطات إعلانها لملاحقة الناشطين». وتضيف المصادر أن الشبان الثمانية هم «إما من الناشطين المعروفين في الحراك، أو من عوائل الناشطين الذين تمت تصفيتهم خلال الفترة الماضية»، موضحة أن «السلطات كانت قد لجأت إلى ملاحقة أبناء وأقرباء لهم، وألقت القبض على عدد غير قليل منهم في أحداث عملية هدم حي المسورة»، وسط بلدة العوامية عام 2017، ما يشي بالطابع الانتقامي للهجمات الدورية على المنطقة.
عملية قتل الناشطين تأتي بعد أسابيع على إعدام السلطات عشرات السعوديين


ويوضح المصدر أن «من بين الضحايا الثمانية أخوين من عائلة الفرج، والدهما أحد رجالات العوامية المعروفين بنزاهتهم ونشاطهم الاجتماعي. وقد تم اعتقاله مع أحد أبنائه ضمن حملة سابقة طالت أقرباء سلمان الفرج، الناشط الذي قُتل في عملية هدم حي المسورة». ويتابع أن «هؤلاء الشبان، حينما يجري استدعاؤهم من قِبَل أجهزة الأمن باتصال هاتفي، لا يجدون غير الفرار من الاعتقال المحتوم، الذي قد ينتهي بالإعدام بتهمة من سبيل الخروج على ولي الأمر، كما حصل مع كثير من الشبان طوال السنوات التسع الماضية». وإزاء ذلك، «هجر الشبان الثمانية منذ لحظة استدعائهم منازلهم، متنقلين بين البساتين أو لاجئين إلى منازل قديمة غير مأهولة بالسكان، وكانت بلدة السنابس الساحلية آخر خياراتهم لقضاء شهر رمضان فيها، لبعدها عن مناطق الأحداث». لكن «إيقاف إحدى الدوريات الأمنية مركبة كانت تنقل بعض أثاثهم إلى المنزل الذي يقطنونه قبل أسبوع من الهجوم، كان أحد أسباب انكشاف مكان وجودهم». ويشير المصدر إلى أن السلطات لم تعلن إلى الآن أسماء الضحايا، بسبب عدم تمكنها من معرفة هوياتهم «جراء احتراق جثثهم»، لافتاً أيضاً إلى أنها «أقدمت أمس على هدم ثلاثة منازل مجاورة لمنزل الشبان، كعقاب لأصحابها على عدم إبلاغهم السلطات عنهم».
يذكر أن عملية قتل الناشطين الثمانية تأتي بعد ثلاثة أسابيع فقط على إعدام السلطات 33 شخصاً من أبناء المنطقة الشرقية، بعضهم كانوا فتياناً لحظة اعتقالهم. وهي تستهدف، شأنها شأن ما سبقها، الانقضاض مسبقاً على كلّ من يحاول رفع صوته في وجه النظام. وهذا ما حاولت السلطات تمويهه بالقول، في بيان رئاسة أمن الدولة، إنها «باشرت عملية أمنية استباقية» ضد «خلية إرهابية تم تشكيلها حديثاً».