وجاء الإعلان الأممي بعد ساعات على تصريحات لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، كرّر فيها القول إنه «حان الوقت» لإجراء تحقيق دولي في مقتل خاشقجي، مشيراً إلى أن الرئيس رجب طيب إردوغان أمر باتخاذ الإجراءات اللازمة لـ«نقل القضية إلى مستوى دولي»، متحدثاً عن أن مقرراً خاصاً من الأمم المتحدة سيأتي إلى تركيا، اتضح لاحقاً أن المقصود به كالامارد. وشدد المدير التنفيذي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، كينيث روث، أمس، على ضرورة أن «يضع تحقيق كالامارد الأسس المطلوبة لإجراء تحقيق من الأمم المتحدة على نطاق واسع، بمقدوره الاطلاع على كل المعلومات المخابراتية».
سيبدأ فريق التحقيق الأممي زيارته لتركيا في الـ 28 من الشهر الحالي
لكن بعيداً من سلطة مجلس الأمن الدولي، الذي يظلّ صدور قرار عنه بالغ الصعوبة في ظلّ انحياز الولايات المتحدة إلى جانب السلطات السعودية، يُستبعد أن تؤدي الخطوة الأممية الجديدة إلى تحوّل نوعي في التعامل مع قضية خاشقجي، وخصوصاً أن الرياض ترفض إلى الآن التعاون مع أي تحقيق من هذا النوع، وتعتبر أن التحقيق الداخلي الذي تدّعي القيام به «كافٍ وذو صدقية». ولعلّ إحجام العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، ــــ إلى الآن ــــ عن اتخاذ قرارات جادة في ما يتصل بهذه القضية، واكتفاءها بمواقف مراوغة وإجراءات محدودة، هما اللذان يحملان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المتهم الرئيس بالمسؤولية عن حادثة القنصلية، على استشعار الاطمئنان إلى أن السخط العالمي الذي أعقب الحادثة يتّجه نحو الانطفاء. وهو اطمئنان ظهّرته المشاركة السعودية في منتدى دافوس الاقتصادي الذي اختُتم أمس، إلى حدّ أن وكالة «رويترز» ذكرت في تغطيتها للحدث أنه «إذا كانت أنباء مقتل خاشقجي قد فاتتْك، فربما تعتقد أن السعودية هي الضيف الأثير لدى منتدى دافوس». وأشارت الوكالة إلى أن المملكة، التي أرسلت أحد أقوى وفودها على الإطلاق إلى المنتجع الجبلي السويسري، تمكنت من اجتذاب رجال أعمال غربيين كبار إلى جلسة نقاش بعنوان «الخطوات القادمة للمملكة العربية السعودية». استقطاب عدته «رويترز» واحداً من مؤشرات عديدة إلى أن سعي الرياض إلى الحدّ من الأضرار التي خلّفها اغتيال خاشقجي «يؤتي ثماره».
مع ذلك، يُعدّ الإعلان عن تحقيق دولي في الاغتيال خطوة مهمة كفيلة ــــ في الحدّ الأدنى ــــ بالتشويش على تلك المساعي السعودية، مثلما هي حال قرار الاتحاد الأوروبي، إضافة السعوديةَ إلى قائمة الدول التي تشكّل خطراً على التكتل، بسبب تراخي السيطرة على تمويل الإرهاب وغسل الأموال، وفقاً لما نقلته «رويترز» أمس. وإذا كان من شأن الإجراءات الأممية والأوروبية الأخيرة أن تصبّ في مصلحة الاشتغال التركي المتواصل على «تعرية» السعودية ــــ على رغم التراجع الكبير الذي سُجّل أخيراً في موقف أنقرة ــــ، فهي تمثل أيضاً مادة ابتزاز مثالية للحلفاء الغربيين، الذين لم يعطوا ــــ إلى الآن ــــ المملكة وسلطاتها الأمان.