أعادت صحيفة «نيويورك تايمز» قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي إلى الواجهة، أمس، بنشرها مقتطفات من كتاب أعدّه ثلاثة صحافيين أتراك، يتضمّن تفاصيل عن الجريمة، بالاعتماد على التسجيلات التي التقطتها الاستخبارات التركية. الصحافيون الثلاثة، الذين يعملون لدى صحيفة «صباح» المقرّبة من الحكومة، معروفون بعلاقتهم الوثيقة بالاستخبارات. وبحسب ما أوضحته «نيويورك تايمز»، هم لم يحصلوا على التسجيلات الصوتية، ولكن المسؤولين الاستخباريين أطلعوهم على فحواها.أما الكتاب الذي نُشر باللغة التركية، بعنوان «الفظائع الدبلوماسية: الأسرار المظلمة لجريمة جمال خاشقجي»، فيتمحور حول «لقاءٍ بدأ بطلبٍ وُجّه إلى خاشقي للعودة إلى وطنه، وانتهى بجريمة وتقطيع أوصال». وفيما سعى إلى تقديم وصفٍ شاملٍ لما تتضمّنه التسجيلات، فقد أعطى أيضاً تصوّراً للفريق السعودي، وهو يضع خططه قبل مجيء خاشقجي، ليروي يعد ذلك ما حدث.
يحدّد الصحافيون أحد المسؤولين، وهو ماهر عبد العزيز المُطرب، المسؤول الأمني الذي كان مرافقاً دائماً لولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وبحسب التسجيلات، سُمع هذا الأخير وهو يعطي الأوامر ويدير الحديث مع خاشقجي. كذلك، ينقل الكتاب عن مسؤولين أتراك قولهم إن المُطرب هو من وضع الخطة وشرَحها لصلاح الطبيقي، المسؤول الكبير في الطب الشرعي في الحكومة السعودية. وقال له إنهم سيحاولون اصطحاب خاشقجي معهم إلى السعودية، و«إذا قاوم، فسنقتله هنا ونتخلّص من الجثة».
وقد كان تقطيع الجثة ومزاج الطبيقي أثناء التشريح حاضراً بقوة في الكتاب، وهو ما وقفت عنده «نيويورك تايمز»، مؤكدة ما كان قد ذُكر سابقاً عن أنه استمع إلى الموسيقى أثناء قيامه بعمله في تلك الأثناء. وبالاستناد إلى الصحيفة، يمكن تلخيص الأجواء التي يحبّذها الطبيقي بالجملة الآتية: «عادة، عندما أعمل على الجثث، أضع السماعات (في أذنَي) وأستمع إلى الموسيقى، وأشرب القهوة وأدخِّن سيجارتي».
علاوة على ذلك، قدّم الطبيقي للمُطرب شرحاً عن كيفية عمله بالاستناد إلى تفاصيل تتعلّق بجسد خاشقجي. «جمال طويل، حوالى 1,80 متراً»، قال، مشيراً إلى أن «مفاصل حيوان الأضاحي يمكن فصلها بسهولة، ولكن التقطيع سيأخذ وقتاً». وفيما استدرك بالقول: «أنا أعمل دائماً على الجثث»، فقد أضاف: «أعرف جيداً كيفية التقطيع. لم أعمل على جثة ساخنة إلى اليوم، ولكن يمكنني الاهتمام بالأمر بسهولة». ثم تابع: «بعد التقطيع، سأضعها (الأعضاء) في أكياس بلاستيكية، ثمّ أضع هذه الأخيرة في حقيبة أمتعة، على أن تؤخذ» أجزاء الجثة.

10دقائق كانت كافية
توفي جمال خاشقجي عند الساعة 1:24 من بعد الظهر، بحسب الكتاب، أي بعد عشر دقائق من دخوله إلى المبنى. أما التفاصيل الكامنة بين البداية والنهاية، فقد أشار إليها الصحافيون الثلاثة، موضحين أن خاشقجي أُخذ إلى مكتب القنصل، بعد دقائق على دخوله إلى القنصلية السعودية. «أتركوا ذراعي، ماذا تظنّون أنكم فاعلون»، سُمع يقول. ولم يكد يدخل الغرفة، حتى قال له المُطرب: «تعال اجلس. لقد أتينا لاصطحابك إلى الرياض». أما جواب خاشقجي فقد كان قصيراً، وواضحاً، وقد ردّ بالقول: «لن أذهب إلى الرياض».
كانت نيّة الفريق السعودي أن يبعث خاشقجي رسالة إلى ابنه صلاح يقول له فيها: «ابني، أنا في اسطنبول. لا تقلق إن لم تسمع مني لفترة». إلا أن الصحافي السعودي رفض ذلك، ليأمر عندها المُطرب رجاله بأن يجهّزوا المعدّات التي أحضروها معهم من أجل تقطيع جثته. وهو ما تشير إليه التسجيلات التي تلتقط صوت هذه المعدّات أثناء وضعها على الطاولة.
الطبيقي: عندما أعمل على الجثث أستمع إلى الموسيقى وأشرب القهوة وأدخِّن سيجارتي


«ستقتلونني؟ ستخنقونني؟»، سُمع السؤال الذي طرحه خاشقجي على المُطرب، الذي أجابه بالقول إنه «سيُسامَح» إذا تعاون. بعدها، أعطى المُطرب الأوامر لخمسة عملاء سعوديين بالانقضاض على خاشقجي.
أحد هؤلاء، الذي قد يكون ثائر غالب الحربي، ينتمي إلى الحرس الملكي، وقد رُقّي العام الماضي إلى رتبة ملازم «لشجاعته في الدفاع عن قصر الأمير في جدة». كذلك، أشار الكتاب إلى أن المجموعة ضمّت محمد سعد الزهراني، وهو أيضاً من الحرس الملكي. وفيما حاول الحربي تغطية فم خاشقجي، فقد أظهرت التسجيلات أنّ الصحافي قد صدَّه. ولكن بعد ذلك، تمكّن القتلة من وضع كيس بلاستيكي على رأسه، وفق تعبير الكتاب، الذي يضيف أن الأمر تطلّب خمس دقائق، قبل أن يلفظ خاشقجي آخر أنفاسه. أما كلماته الأخيرة التي جرى تسجيلها فكانت: «لا تغطّوا فمي، أعاني من الربو. لا تفعلوا ستخنقونني».
بعد ذلك، قام مصطفى المدني ــ الذي أُرسل بهدف تقليد مظهر خاشقجي ــ وسيف سعد القحطاني، بتجريده من ثيابه. أما الحربي والزهراني فقد عملا على مساعدة الطبيقي في تقطيع الجثة، وفق الكتاب الذي يقدّم وصفاً للخبير الشرعي وهو يُمطر مَن حوله بالأوامر، ويتوجّه إليهم بالقول: «ما الذي تنتظرونه».
من جهة أخرى، لا يُغفل الكتاب الإشارة إلى نوعية المعدّات المستخدمة في التقطيع، ويلفت إلى أن «أصوات الفرم التي كانت تُسمع من حين لآخر، تشي باستخدام أداة مشابهة لسكين تقطيع العظام في الجسم، في حين جرى تسجيل صوت عالٍ لمنشار تشريح كهربائي كان يعمل بشكل متكرّر».