يتسارع قطار معركة سياسية داخل الولايات المتحدة، بين السلطة التنفيذية ممثلة بالرئيس دونالد ترامب، والتشريعية ممثلة بالكونغرس بشقيه، الشيوخ والنواب، عنوانها العلاقة مع ولي العهد محمد بن سلمان. قطار حرّكت عجلاته محطتان سياسيتان، أثّرتا في توازن القوى الداخلية والخارجية. الأول، فوز الديموقراطيين بغالبية مقاعد مجلس النواب في الانتخابات النصفية مطلع الشهر الماضي، مع محافظة الجمهوريين على غالبية مجلس الشيوخ. والثاني، انقلاب أعضاء جمهوريين بارزين، دأبوا على دعم ترامب في علاقته بالرياض، ضد الأخير، بسبب موقفه من ابن سلمان، المتهم الأول في جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لينضموا أخيراً، إلى زملائهم من الديموقراطيين، في حملة يقودها أعضاء من الحزبين في الكونغرس، لمراجعة شاملة للعلاقة مع السعودية، تدخل فيها وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي أي»، التي خلصت إلى أن ولي العهد هو من أمر بالقتل، طرفاً ضد الرئيس، بما يقلل خياراته في المواجهة.في تصويت تاريخي يعكس غضب المشرّعين من جريمة اغتيال خاشقجي، وافق مجلس الشيوخ، مساء أمس، على مشروع قانون يدعو لإنهاء المشاركة العسكرية الأميركية في عدوان «التحالف»، بقيادة السعودية، على اليمن، كما وافق الكونغرس، بالإجماع، على مشروع قانون، قدّمه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في «الشيوخ»، السيناتور الجمهوري، بوب كوركر، يحمّل ابن سلمان، مسؤولية قتل خاشقجي، ويشدّد على محاسبة المتورطين في مقتله.
للقانون مغزى رمزي، يظهر غضب أعضاء مجلس الشيوخ من جمهوريين وديموقراطيين إزاء الرياض، إذ سيتعرض لحق النقض من قبل ترامب، الذي يشدد على استمرار علاقته بولي العهد الشاب، لكون القرار لم يحظَ بأصوات كافية لتفادي نقضه قبل أن يصبح نافذاً (56 صوتاً مقابل 41)، فيما يرفض الزعماء الجمهوريون في مجلس النواب، الإفصاح عما إذا كانوا يعتزمون التصويت على أي تشريع متعلق بالسعودية قبل نهاية العام، إذ لا يمكن مناقشته، قبل كانون الثاني/ يناير المقبل، حين تكون الغالبية للديموقراطيين في المجلس.
لم يحظَ القرار بأصوات كافية لتفادي نقضه من قبل ترامب


مشروع القرار المشترك، الذي يسانده ما لا يقل عن عشرة من رفاق ترامب الجمهوريين في مجلس الشيوخ، هم كوركر، ومشاركوه التسعة الأصليون في رعاية المشروع، ومنهم زعيم الغالبية، ميتش مكونيل، من شأنه إذا ما أصبح قانوناً، أولاً، إنهاء جميع أشكال المشاركة الأميركية مع «التحالف» في حرب اليمن، إذ يلغي تفويضاً قانونياً للمشاركة الأميركية في الحرب الدائرة منذ ما يقارب الـ4 أعوام، ويؤيد إنهاء الدعم للسعودية في ما يتعلق بتزويد طائرات «التحالف» التي تعمل في اليمن بالوقود في الجو. ثانياً، يحمّل مشروع القرار المشترك، ولي العهد السعودي، مسؤولية مقتل خاشقجي، ويدعو الحكومة السعودية إلى ضمان «محاسبة ملائمة» لكل المسؤولين عن مقتله، ويطالب الرياض بإطلاق سراح الناشطات الحقوقيات، ويشجعها على زيادة الجهود لإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية. وفيما يتخوف ترامب من لجوء السعوديين، إلى الصين وروسيا، لسد احتياجاتهم العسكرية، حذر التشريع كذلك، من أن شراء المملكة عتاداً عسكرياً من حكومتي الصين وروسيا، والتعاون معهما، ينال من سلامة العلاقة العسكرية بين الولايات المتحدة والسعودية.
تمتد معركة الكونغرس مع الرئيس الأميركي بشأن علاقته بابن سلمان، إلى العام المقبل. هذا ما أشار إليه، السيناتور الديموقراطي، كريس مورفي، بقوله عن التصويت، إنه «إشارة قوية بما فيه الكفاية للسعوديين، وإشارة إلى أننا سوف نعود وننهي القضية في العام المقبل». أما السيناتور بيرني ساندرز، والجمهوري، مايك لي، يشيران إلى أن القرار المحتمل، سيتطلب من ترامب سحب القوات الأميركية من اليمن، أو القوات المؤثرة في الحرب هناك، في غضون 30 يوماً. ولأن أعضاء مجلس الشيوخ يطرحون القرار بموجب قانون «صلاحيات الحرب»، فإنهم يحتاجون فقط إلى غالبية بسيطة لتمريره، وستكون لديهم القدرة على إثارة القضية بسرعة مرة أخرى في العام المقبل. كما يتوقع أعضاء مجلس الشيوخ، إقرار مشروع قانون من السيناتور الديموقراطي بوب مينينديز، والجمهوري تود يونغ، في العام 2019، ويتطلب هذا الإجراء، فرض عقوبات في غضون 30 يوماً، على أي شخص متورط في جريمة خاشقجي، بما في ذلك «أي مسؤول في الحكومة السعودية، أو أي عضو في العائلة المالكة».