عام 1966، افتتحت جامعة الكويت رسمياً، وكان قوامها 418 طالباً وطالبة. بعد أكثر من نصف قرن، في 2018، يخوض الكويتيون جدالاً حول منع الاختلاط في الجامعة، بعدما نجح الاسلاميون عام 1996 في إصدار قانون يقضي بالفصل التام بين الذكور والإناث في قاعاتها، على أن تعمل الحكومة على تطوير مبانيها بما يضمن منع الاختلاط تماماً!التغوّل السلفي الخليجي الذي رعته الجارة الكبرى، المملكة العربية السعودية، قضى في طريقه على الحركة المسرحية والثقافية التي شهدتها البلاد منذ ما قبل استقلالها، ويكاد يقضي على سياسة النأي بالنفس التي اخترعها الكويتيون قبل اللبنانيين بسنوات طويلة. ليس تفصيلاً أن يرفض الكويتيون اعتماد سفير لبناني شيعي في بلدهم لـ«أسباب داخلية»، بعدما كانت الكويت، بين سبعينيات القرن الماضي وتسعينياته، عضواً في معظم اللجان العربية التي شُكّلت لوقف حروب الطوائف اللبنانية المتناحرة. «الفكر المنغلق بات أكثر تحكّماً بمجتمعنا، والطبقة السياسية تكاد تقف عاجزة في مواجهته»، ينقل قادمون من الكويت عن لسان أحد المسؤولين.
في الخليج اليوم لا صوت يعلو فوق صوت جنون «الدب الداشر» السعودي. الإمارة الصغيرة المحشورة بين جيران اقوياء وأشقاء لا يخفون طمعهم بأرضها ونفطها، تستشعر خطراً لم تعرفه منذ قرّر صدام حسين إعلانها واحدة من محافظات العراق عام 1990. القلق كبير من افتقاد مظلة مجلس التعاون الخليجي التي فكّكها الثنائي السعودي ــــ الاماراتي، وهو إلى تعاظم لقناعة الكويتيين بأن هذا الثنائي ماضٍ في التصعيد الى حيث لا مكان للحياد والمشي على حبل رفيع بين المتصارعين، وهي اللعبة التي لطالما أتقنتها الامارة الصغيرة. قد يكون شيوخ آل الصباح قريبا أمام مرارة الاختيار: معنا أم علينا، وسط الضغوط المتزايدة لمغادرة مربع الوساطة والحيادية، وإلا استجرار الغضب السعودي. غضب كانت ملامحه بيّنة في زيارة محمد ابن سلمان الأخيرة لـ«حل» الخلاف النفطي الحدودي بين البلدين. إبن سلمان لم يتردّد في ضرب ركيزتين أساسيتين للاستقرار في بلده، العائلة المالكة والمؤسسة الدينية، ولم يتوان عن فك عرى التحالف الخليجي وحصار دولة عضو في مجلس التعاون في سابقة خليجية... وبالتالي، ليس ما يضمن عدم وقوع «الأمير المغامر» تحت إغراء التدخل في عملية الخلافة للأمير الثمانيني داخل العائلة الحاكمة الكويتية المتماسكة تاريخياً. وفي ظل وجود مجلس أمة شعبوي وصدامي، فإن مخاطر كهذه تصبح أكثر جدية.
في واشنطن، الحليف الاستراتيجي التاريخي للإمارة، «دبّ داشر» آخر لا يقلّ جنوناً. في أيلول الماضي، زار الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإقناعه باعتماد «النموذج الكوري» في وجه ايران: الضغط من أجل الحوار. القلق الكويتي كبير مما بعد الرابع من تشرين الثاني المقبل، موعد بدء تطبيق العقوبات الأميركية على الدولة الجارة الكبيرة. وهم سمعوا بوضوح من الأميركيين أن هؤلاء لن يوفّروا الضغط على أي من حلفائهم، بكل الوسائل، للالتزام بتنفيذ العقوبات. هنا، أيضاً، قد تكون الامارة التي تستضيف 40 ألف ايراني وترتبط مع ايران باتفاقات اقتصادية وتجارية، أمام الاختيار الصعب نفسه بين مغادرة مربع الحيادية والوسطية أو استجرار الغضب الأميركي.
يتهيّب الكويتيون حفلة جنون مقبلة على المنطقة. أولاً، لأن ايران، في رأيهم، تعاني من صعوبات كبيرة، منذ القرار الاميركي المجنون بالانسحاب من الاتفاق النووي، وثانياً لأن الآتي الأميركي الأعظم، قد يستجرّ رداً ايرانياً لا يقلّ «جنوناً».