على بعد أسابيع من الاستحقاق الانتخابي الأوّل منذ حلّها بقرار قضائي مسيّس، خرجت «جمعية الوفاق الوطني الإسلامية»، أكبر الجمعيات السياسية المعارِضة في البحرين، عن صمتها، مُعلِنةً مقاطعتها الانتخابات النيابية والبلدية المقرّر إجراؤها في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. وأعلن نائب الأمين العام لجمعية «الوفاق»، حسين الديهي، أمس، في مؤتمر صحافي نظّمته الجمعية في لندن، قرار المقاطعة، معتبراً أن البحرين أضحت «جزيرة خرساء ممنوعاً فيها العمل السياسي، والتعبير عن الرأي المعارض، والعمل الحقوقي، والاحتجاج السلمي». وحول أسباب المقاطعة، تحدث عن 25 سبباً تدفع المعارضة إلى الامتناع عن المشاركة، وأبرزها غياب دستور تعاقدي، ووجود نظام انتخابي غير عادل لا يحقق المساواة بين المواطنين، واعتماد منهج التمييز في الدوائر، وكون السلطة التشريعية منقوصة الصلاحيات، وتفعيل المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين، وانحياز السلطة القضائية، وغياب الإرادة الشعبية في تشكيل الحكومة، مشيراً إلى أن السلطات قتلت نحو 200 مواطن منذ عام 2011 بفعل التعذيب الممنهج في السجون، أو خلال قمع المسيرات، بالإضافة إلى الإعدامات. بدوره، أكد النائب السابق عن كتلة «الوفاق» النيابية، علي الأسود، خلال المؤتمر، التمسك بسلمية الحراك المطالب بالإصلاحات، مشدداً على ضرورة تسجيل موقف وطني جامع في رفض المشاركة في الانتخابات، «في سبيل تطوير التجربة بشكل منصف، عوضاً عن التسليم لمزيد من التهميش والفساد الذي سيزداد ويتراكم». وفي حديث إلى «الأخبار»، رأى الأسود أن السلطات تحاول استخدام العملية الانتخابية كـ«مظهر من مظاهر الديموقراطية الصورية والإصلاح، لكنها واقعاً ترفض الإصلاح»، مضيفاً أن الشارع «يدرك أن البرلمان لا يمثّل أحداً، بل هو مجرد واجهة تجميلية لسلطة ديكتاتورية». حقيقة أكدها وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، بنفسه، أمس، عندما علّق على قرار «الوفاق» بأن «الأزمة في رؤوسهم»، قائلاً إن «البحرين تجاوزتهم ولن تلتفت لهم».
لا يُتوقّع أن تفوق نسبة المشاركة في الانتخابات الـ32%


ويأتي إعلان «الوفاق» في وقت تزداد فيه القناعة الشعبية بصُوَرية الانتخابات، ولا سيما بعدما أقرّ البرلمان البحريني مطلع العام الحالي منع أعضاء جمعيات المعارضة المنحلّة من الترشّح، وذلك في أحدث خطوة ضمن حملة تستهدف المعارضة قبيل الاقتراع، الاستحقاق الذي ينصّ عليه الدستور، وهو دستور 2002 عينه الذي يكفل الحريات، بدءاً من حرية التعبير إلى الحق في تأسيس الجمعيات السياسية والمشاركة في الحكم. تخفق السلطات البحرينية حتى الساعة في ضمان أي إقبال جدي على الانتخابات، على رغم كثرة الأبواق المُطبِّلة للعائلة الحاكمة، والتي لم يبقَ على الساحة الإعلامية غيرها بفعل حلّ صحيفة «الوسط»، الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد، بالإضافة إلى الزجّ بكل من يجرؤ على انتقاد السلطات إما خلف القضبان أو في دوامة انعدام المواطنة بفعل سحب الجنسية.
هي ليست الانتخابات الأولى التي تقاطعها جمعية «الوفاق»، إذ كانت أربع جمعيات معارضة (الوفاق، وعد، القومي، الإخاء) أعلنت مقاطعتها الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة عام 2014، واصفة إياها بأنها «بلا جدوى»، علماً بأن اثنتين من تلك الجمعيات (وعد والوفاق) صدر بحقهما قرار الحلّ العام الماضي. الجديد هذا العام أن جزءاً كبيراً من الشارع «الموالي» يتّجه، بدوره، نحو مقاطعة الانتخابات، مدفوعاً بالسخط على تدهور الأوضاع المعيشية بفعل الأزمة الاقتصادية العاصفة بالبلاد، وفرض ضريبة القيمة المضافة، إلى جانب غلاء السلع الاستهلاكية، ورفع أسعار المحروقات، بالإضافة إلى انعدام فرص العمل نتيجة التجنيس السياسي الذي أخذ مأخذه من حصة المواطن البحريني الأصيل من موارد بلاده، ما أفقد الشارع عامة الحافزية للمشاركة في انتخابات لن تفيده في شيء. هذا الأمر أكّدته جمعية «الوفاق» في مؤتمرها الصحفي، مشيرة بعد دراسة واستقراء إلى أن من المتوقع أن تراوح نسبة المشاركة ما بين 27 و32% فقط، فيما ستصل في بعض الدوائر إلى 3%، موضحة أن «النسب قد تصل إلى هذا المستوى من خلال دفع العسكريين وإجبارهم وإلزام عدد من الموظفين، وكذلك من خلال توظيف المال الانتخابي والتخويف والترهيب».