يُقدَّر لبعض الناشطين في السعودية أن يكونوا من المدعومين من قبل منظمات حقوق الإنسان المرتبطة بهيئات حكومية وغير حكومية، غربية أو دولية، أو أنهم ناشطون في قضايا تُعدّ أولوية غربية، ليجد هؤلاء من يرفع الصوت بوجه الاعتقالات التعسفية بحقهم. إلا أن عدداً كبيراً يصعب إحصاؤه من الملاحقين بالسجن التعسفي أو المحاكمات المشوبة بانتهاكات جسيمة، أو لأسباب سياسية بحتة، لا يحظى بمنصات دولية تدافع عنه. المفارقة تلك ظهرت أمس مع تصريحات المتحدثة باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، ليز ثروسيل، التي أعربت عن «القلق» إزاء توقيف الناشطين الحقوقيين في السعودية على مدى الأسبوعين الماضيين.وعلى الرغم من أن بيان ثروسيل يتسم بالاستنسابية في تسليط الضوء على قضايا دون أخرى، في مملكة تعجّ بالانتهاكات التي تصاعدت مع تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، إلا أنه كان لافتاً تشكيك المنظمة الدولية في مزاعم الإصلاح التي يروّج لها وليّ العهد، محمد بن سلمان. إذ جاء في البيان: «بما أنه تمَّ تخفيف القيود المفروضة على بعض أنشطة المرأة في السعودية في الشهور الأخيرة على نحو ملحوظ... فإننا نشعر بالحيرة إزاء الأسباب التي تدفع حالياً بالسلطات إلى استهداف النساء والرجال الذين يساهمون في حشد الحملة من أجل تحقيق هذه التطورات الإيجابية». ويُعدّ هذا أقسى انتقاد دولي إلى الآن باتجاه الإصلاحات التي يقودها وليّ العهد، خصوصاً مع اقتراب موعد رفع حظر قيادة المرأة للسيارة، وكون حملة الاعتقالات التي نفذتها السلطات أخيراً طاولت ناشطين، غالبيتهم من النساء، يعملون على قضايا تتعلق بحقوق المرأة، ومن بينها الحق في القيادة.
يهدّد سيف الإعدام 15 مواطناً بسبب محاكمات مشكوك فيها


ويأتي بيان مفوضية حقوق الإنسان بعد ارتفاع الأصوات المنددة بحملة الاعتقالات ضد الناشطين، التي تضمنت توقيف عدة وجوه بارزة دولياً في المجال الحقوقي. حملة سبقتها حملات توقيف لشخصيات حقوقية ومعارضة طوال السنوات الثلاث الماضية لم تثر الجلبة الدولية نفسها، فيما لا تزال شخصيات اجتماعية وثقافية بارزة قيد الاعتقال التعسفي، من دون توجيه تهم واضحة إليها أو التحقيق معها. ولا يزال مصير المفكر الإسلامي، حسن فرحان المالكي، المنتقد لخطاب الوهابية، مجهولاً، وكذلك مصير الداعية السعودي البارز، سلمان العودة.
وبالعودة إلى حملة الاعتقال الجديدة، تشير المعلومات إلى أن عدد الموقوفين بلغ 10 نشطاء، كان آخرهم الناشط الحقوقي محمد البجادي، الذي علّقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» على خبر اعتقاله بالقول: «يواصل وليّ العهد ترويج (إصلاحاته) للمجتمع الدولي، بينما يقوم بإسكات صوت أي شخص في بلده يجرؤ على مناقشة سياساته... آن الأوان كي يتوقف هذا النفاق التام». وترددت معلومات عن أن السلطات أطلقت سراح أربع ناشطات، أما باقي المعتقلين فلا يزال مكان وجودهم «مجهولاً، فيما أُفيد بأنه لم يُسمح لمعظمهم إلا بإجراء مكالمة هاتفية واحدة مع أسرهم منذ توقيفهم»، وفق بيان مفوضية حقوق الانسان.
وعرّج بيان المنظمة الأممية على باقي الاعتقالات التعسفية «وحالات الاختفاء لأشخاص آخرين، من دون إعطاء أي تفسير أو محاكمة واضحة وفق الأصول القانونية»، مسلطاً الضوء على قضية نواف بن طلال الرشيد «الأمير من سلالة الرشيد، وابن الشاعر الراحل نواف طلال بن عبد العزيز الرشيد». ووفق البيان، فإن الرشيد يحمل الجنسيتين القطرية والسعودية، ورُحِّل من الكويت في 12 أيار «ولم يُعرَف عنه شيء منذ ذلك الحين». وحثت المتحدثة باسم مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان السلطات السعودية على «تقديم معلومات بشأن مكان وجوده فوراً، وتوضيح ما إذا كان قد أُوقف أو اعتُقل أو وُجِّهَت تهمة إليه».
ولا يزال سيف الإعدام يهدّد 15 مواطناً سعودياً بسبب محاكمات مشكوك في صدقيتها، وفق منظمات حقوقية. وتتهم السلطات رجل الأعمال السعودي، عباس الحسن، وآخرين في ما يعرف بـ«خلية الكفاءات»، بـ«التجسس لمصلحة إيران»، بينما كان سبعة مقررين في الأمم المتحدة قد أصدروا بياناً دعوا فيه الحكومة السعودية إلى إعادة المحاكمة، مشيرين إلى مخالفات جسيمة شابتها، من بينها «تعرض الأفراد للتعذيب أثناء استجوابهم للحصول على اعترافات».