لا تكاد السعودية تقدم على خطوة تجميلية للمسار «التطبيعي» غير المتحرّج الذي بدأت اختطاطه منذ أشهر، حتى تأتي «فضيحة» جديدة لتنسف جميع تلك الخطوات، وتؤكد أن الأصل في كلّ ما تقوم به الرياض راهناً، في ما يتصل بالقضية الفلسطينية، هو تصريح ولي العهد، محمد بن سلمان، الأخير، لمجلة «ذي أتلانتيك»، والذي اعتبر فيه أن «للإسرائيليين الحق في أن تكون لهم أرضهم»، مشدداً على ضرورة «التوصل إلى اتفاق سلام لضمان الاستقرار للجميع، وإقامة علاقات طبيعية».بعدما بالغت المنابر الموالية للمملكة في الاحتفاء بإعلان الملك سلمان تسمية القمة العربية الـ29 التي انعقدت في الظهران «قمة القدس»، والتبرع بمبلغ 200 مليون دولار لصالح الفلسطينيين، خرجت إلى العلن دعوات إسرائيلية جديدة إلى دعم جهود ولي العهد التطبيعية. دعوات تعقب تصريحاً منسوباً لوزير الثقافة السعودي، عواد العواد، يثبّت، إلى جانب معطيات أخرى، أن إعلان سلمان، شأنه شأن إبدائه سابقاً تمسكه بـ«حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة، وعاصمتها القدس» إثر حديث نجله عن «مصالح مشتركة كثيرة مع إسرائيل»، ليس إلا من باب المناورات الدعائية التي تستهدف امتصاص الغضب على السياسات السعودية.
أكد الدبلوماسي الإسرائيلي أن السعودية مستعدة لتأسيس علاقاتها مع إسرائيل


بالتزامن مع انعقاد ما سُمّيت «قمة القدس»، نشر موقع «إسرائيل بلاس» مقالاً مطولاً لمدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية (سابقاً)، رئيس «مركز بيريس للسلام»، أوري سافير، حضّ فيه إسرائيل على «الاستفادة من الأجواء الإيجابية التي يبثها ولي العهد السعودي في المنطقة». وقال سافير، الذي كان له دور رئيس في المفاوضات مع إسرائيل إبان تسعينيات القرن الماضي، إن ابن سلمان «أبدى في المباحثات التي أجراها في واشنطن استعداده للتعاون مع إسرائيل التي يرى فيها قوة تكنولوجية وأمنية، شرط حل النزاع مع الفلسطينيين». وإذ تفادى الرجل الدخول في تفاصيل رؤيته لأي اتفاق من هذا النوع مفضّلاً انتظار ما لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أن سافير نقل عن دبلوماسي في السفارة الأميركية في تل أبيب أن ثمة «انطباعاً إيجابياً كبيراً في البيت الأبيض ووزارة الخارجية إزاء الأمير السعودي». وأكد الدبلوماسي الإسرائيلي أن «السعودية اليوم مستعدة لتأسيس علاقاتها مع إسرائيل مقابل مفاوضات مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين، وليس فقط الانسحاب لحدود 1967، كما ذكرت المبادرة السعودية للسلام»، مشدداً على أن «الولايات المتحدة وإسرائيل مطالبتان بمساندة ولي العهد السعودي للوفاء بتعهداته». وتأتي دعوة سافير بعد أيام قليلة من تصريح تطبيعي لوزير الثقافة السعودي، ضمن تجليات حرص مسؤولي ابن سلمان، منذ فترة غير قصيرة، على عدم تفويت فرصة أو محفل من دون الإعلان عن رغبتهم في «علاقات طبيعية» مع إسرائيل. وليس «مهرجان كان» السينمائي، المقام في العاصمة الفرنسية باريس، والذي تشارك فيه السعودية للمرة الأولى في تاريخها، استثناءً من ذلك. إذ سُجّل خلاله حديث لعواد العواد إلى الصحافي الإسرائيلي، جدعون كوتز، عن تطلع بلاده إلى «التعاون الثقافي» بينها وبين إسرائيل. وبحسب مراسل «هيئة البثّ الإسرائيلية»، شمعون آران، فقد أجاب العواد سؤال كوتز حول الموضوع بـ«(أنني) آمل أن يتم ذلك قريباً بعد حلّ المشاكل العالقة». ولفت آران إلى أن وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، تحضر المهرجان، معرباً عن أمله في أن تلتقي نظيرها السعودي بقوله: «هل سيلتقي الإثنان». وفي تغريدة أخرى على حسابه في «تويتر»، بارك آران للسعودية افتتاحها أول صالة للسينما في مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (غداً الأربعاء)، متمنياً لها «النجاح في ذلك».
وكانت صحيفة «سبق» السعودية قد نشرت، في شباط/ فبراير الماضي، حواراً، مع الحاخام اليهودي، بنخاس غولدشميدت، أشاد فيه بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، معرباً عن يقينه بأنه «سيكون هناك في يوم من الأيام سلام بين العرب واليهود». وعقب ذلك، نشرت صحيفة أميركية مقابلة مع وزير العدل السابق، الأمين العام لـ«رابطة العالم الإسلامي»، محمد بن عبد الكريم العيسى، دعا فيها إلى «التعايش مع اليهود»، رافضاً ما سماها «الطموحات العربية التاريخية إلى القضاء على إسرائيل».