يصطدم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في ما أُوكِل إليه بشأن «السلام» العربي ــ الإسرائيلي، بجدار قواعد اللعبة التي حكمت مساره لعقود. أربعة أشهر مضت على اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال، كانت كفيلة بإظهار عشوائية الخطة الأميركية ــ السعودية لـ«السلام» وضآلة فرص نجاحها، إلى أن وصلت إلى مرحلة تخبّط، يُعلَن فيها تارة عن تأجيلها، وتارة أخرى تتمّ تجزئتها إلى مرحلتين.في وقت يدور فيه ملف «السلام» في دوامة الفراغ، بسبب إصرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على عدم التخلي عن القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، تتجه الرياض على ما يبدو إلى فصل مسارَي التطبيع و«السلام»، على اعتبار أن الطموح النهائي لابن سلمان لا يقتصر على مجرد تحقيق «السلام»، بل هو متصل بما بعده، وما يترتب عليه من إزالة الصراع العربي ــ الإسرائيلي من قاموس المملكة السياسي، لينفّذ ولي العهد وعوده بـ«علاقات طبيعية» مع الاحتلال، ويعبّد الطريق أمام قيام تحالف معلَن بين السعودية وإسرائيل في مواجهة إيران.
يلجأ ابن سلمان إلى هذه الخطة البديلة بعدما بدأت تتراكم علامات فشل الخطة الرئيسة، التي استعجلت إسرائيل الاحتفاء بها عقب إيكال ملفها إلى صهر ترامب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر. ففي ذلك الحين، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، في مقابلة مع «القناة الثانية الإسرائيلية»، أن «إسرائيل باتت أقرب إلى تسوية شاملة مع الدول العربية المعتدلة»، بعد شهر من زيارة ترامب كيان الاحتلال قادماً من الرياض. تلقّى ابن سلمان تعليمات ترامب في الرياض، والتي حملت رسائل عن مصير العرش الذي يطمح إليه، فاتصل بكوشنر وعَرَض نفسه عليه على أنه سيكون رجله في السعودية، واتفقا على إيجاد قناتَي اتصال: الأولى مع الفلسطينيين، والثانية مع الإسرائيليين. إثر ذلك، بدأ ابن سلمان مهمة الضغط على عباس للقبول بالصفقة، مُوجّهاً في الوقت نفسه الإعلام بالترويج لضرورة حل الصراع العربي – الإسرائيلي.
وفي الوقت الذي كان فيه السعوديون يرمون «بالونات اختبار» في الشارع العربي، كان ابن سلمان وكوشنر يحييان الليالي في الرياض في التنسيق، توازياً مع زيارات لوزير الخارجية الأميركي المعين أخيراً، مايك بومبيو، حينما كان مديراً للاستخبارات الأميركية. وبينما بدت الخطوات واضحة سعودياً وأميركياً وإسرائيلياً، دُعي عباس إلى كل من مصر والسعودية قبل شهر من اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6 كانون الأول / ديسمبر الماضي، فاستقبله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ، وأبلغه أن الأميركيين يريدون «السلام»، قبل أن ينتقل إلى السعودية، في اليوم التالي، للاجتماع بالملك سلمان ونجله محمد في الرياض، والاطلاع على تفاصيل «الصفقة».
حاول كوشنر وابن سلمان أخيراً ترميم الفشل الذي أصاب الخطة


رفض عباس العرض، لكن ذلك لم يكن محطّ خشية تل أبيب، بل كانت تترقب موقف الشارع العربي، كما أكد نتنياهو لاحقاً بقوله إن «الزعماء العرب ليسوا عائقاً (...)، بل (...) الشعوب العربية والرأي العام العربي، الذي يجب اختراقه». لبّى ابن سلمان دعوة نتنياهو، وكان أول تجليات ذلك بعد أسبوع، بمقابلة هي الأولى من نوعها أجرتها صحيفة «إيلاف» السعودية مع رئيس الأركان الاسرائيلي غادي أيزنكوت، ما فتح الباب أمام سرب «إعلاميي البلاط» للإدلاء بمعزوفات تدّعي أن من الحكمة أن يجد الفلسطينيون حلاً مع إسرائيل. ومع كشف التسريبات بعض بنود الخطة ودور الرياض فيها، خرج النفي من الطرفين الأميركي والسعودي في يوم واحد، في ما كان أشبه بتأكيد للأمر.
مع إعلان ترامب اعتزامه نقل السفارة الأميركية إلى القدس، دخلت المفاوضات مرحلة جديدة سعودياً، دشّنتها الرياض ببيان رافض لقرار الرئيس الأميركي بالتنسيق مع كوشنير، كما كُشف لاحقاً، ولكن سرعان ما تبدّد الرفض الرسمي بتأييد إعلامي غير مسبوق. لاحقاً، بدأ الموقف السعودي الرسمي يتضح أكثر، خصوصاً إبان انعقاد مؤتمر القمة الإسلامية الذي استضافته تركيا بعد عشرة أيام على قرار ترامب، والذي شارك فيه معظم قادة الدول الإسلامية، فيما فضّلت السعودية والإمارات أن ترسلا وزيرَي خارجيتيهما إلى باريس للمشاركة في مؤتمر لمكافحة الإرهاب في دول الساحل والصحراء الأفريقية! بعد أسبوع على عودة عباس من تركيا، طلب السعوديون من الأخير اللقاء ثانية، فحطّت طائرة رئيس السلطة في المملكة، حيث حاول الاستحصال على موقف سعودي أقوى في رفض الاعتراف الأميركي، لكنه عاد إلى رام الله خائباً.
مطلع عام 2018، بدأت تظهر علامات فشل خطة ابن سلمان، خصوصاً أن عباس بات يرفض القبول باستمرار الولايات المتحدة وسيطاً. انحسر الضجيج الإعلامي حول «صفقة القرن»، إلى أن أعلن رئيس السلطة، خلال اجتماع للمجلس المركزي الفلسطيني في رام الله منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، أن السلطة تقبل «برعاية أممية لأي عملية سياسية تهدف إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام». وجدد ذلك خلال مداخلة طويلة ونادرة أمام مجلس الأمن، بعد أسبوع، دعا فيها إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بحلول منتصف العام الحالي، وهو ما رفضته إسرائيل.
ووسط تلك الأجواء المشحونة في أروقة الأمم المتحدة، كان اجتماع غير رسمي يجري، غداة خطاب عباس، بين مسؤولين أميركيين وسفراء الدول الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن، طلب فيه الأميركيون دعم خطة واشنطن المستقبلية عندما يحين وقت الإعلان عنها، من دون أن يعرف الأعضاء أياً من بنودها. عاد عباس إلى رام الله خالي الوفاض، ليقرر على الأثر تقريب موعد انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني (مطلع شهر أيار/ مايو المقبل)، والذي رجّح محللون فلسطينيون أن يكون الأخير، في وقت قال فيه مسؤولون فلسطينيون إن الإدارة الأميركية تتأنّى في إطلاق خطتها، لأنها تستعد لمرحلة ما بعد عباس.
مصادر فلسطينية تقول إن واشنطن تراهن على عامل الوقت، وتجري اتصالات مع شخصيات اقتصادية واجتماعية فلسطينية تحضيراً للمرحلة المقبلة، في انتظار يوم تكون فيه قيادات محلية للسلطة في الضفة وأخرى في غزة غير قادرة على رفض المشروع، وتضطر إلى التعامل معه بصورة تدريجية، وهو ما يستبعده مراقبون. ومن بين ما تسعى إليه الولايات المتحدة أيضاً، في ظل رفضها كوسيط، الدفع بدول أوروبية إلى إقناع الفلسطينيين بالعودة إلى المفاوضات، لكن الأوروبيين طلبوا تعديل الخطة كي تكون مقبولة من الطرفين. وفي ظل تعثر خيار المفاوضات، حاول ابن سلمان وكوشنير أخيراً ترميم الفشل، خلال زيارة ولي العهد لواشنطن، حيث كرس كوشنر أمسيتين لمحادثات مطولة مع ابن سلمان، في حين لم يعد معلوماً إذا ما كان باستطاعة ترامب أن يكشف، قبل منتصف العام الحالي، عن بنود «صفقة القرن»، بحسب ما رجّح مسؤولون أميركيون.



«الصفقة» ما قبل ترامب


بعد مرور ما يزيد على عام على تولّي الملك سلمان الحكم، برزت تحركات دول غربية كفرنسا، وأخرى عربية كمصر، لإقناع إسرائيل بالعودة إلى المفاوضات. وفي حين كان الرئيس باراك أوباما يتمسك بخيار «حل الدولتين»، قدّمت الرياض عرضاً سخياً لتل أبيب عبر مبعوثين دوليين، منهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، يقوم على تعديل «مبادرة السلام العربية» في ما يتعلق بقضيتي الجولان السوري المحتل واللاجئين الفلسطينين، إلا أن الظروف لم تكن مهيّأة إسرائيلياً في حينها للموافقة.
وبعد ثمانية أشهر من ذلك، فاز دونالد ترامب بالرئاسة، واستغل الاندفاع السعودي نحو «السلام» بما يرضي إسرائيل، فطلب من مجلس الأمن القومي الأميركي ــ بعد أشهر من دخوله البيت الأبيض ــ البدء بإعداد «صفقة كبرى» لحل الصراع. وكان محمد بن سلمان، ولي ولي العهد في حينها، أحد المستشارين الخارجيين الثلاثة للمجلس الأميركي في وضع بنود ما سمّي لاحقاً «صفقة القرن»، إلى جانب سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، وسفير إسرائيل في الولايات المتحدة، رون دريمر.
(الأخبار)


غضب على تصريحات الأمير

أثارت التصريحات الأخيرة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، التي أبدى فيها استعداده لإقامة «علاقات طبيعية» مع إسرائيل، ردود فعل ساخطة على الساحة الفلسطينية. عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، موسى أبو مرزوق، وضع تلك التصريحات في إطار «مخاطبة الأمريكان والصهاينة الغاصبين بعبارات ملتبسة، أو بتنازلات يحسبونها هينة، ابتغاء مرضاتهم وكسبهم أو تحييدهم». بدوره، عدّ مسؤول المكتب الإعلامي لحركة «الجهاد الإسلامي»، داوود شهاب، موقف ابن سلمان «انحداراً وتهافتاً خطيراً لإرضاء أميركا وإسرائيل». وقال الناطق الرسمي باسم حركة «فتح»، عاطف أبو سيف، من جانبه، إن تصريحات ولي العهد السعودي «في غير مكانها»، معتبراً «التطبيع مع إسرائيل، من دون التزام الأخيرة بالحقوق الفلسطينية، قلباً للحقائق وذراً للرماد في العيون».
(الأخبار)