واشنطن | «نحن نفهم بعضنا بعضاً». بتلك الكلمات استقبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. لم يكن ترامب إلا دقيقاً في قوله. يعلم سيد البيت الأبيض جيداً ما يريده منه «الملك غير المنصب»: جعل السعودية صاحبة الاكتتاب الأكبر في سوق الوكالات الأميركية الأمنية والسياسية، بما يؤهلها، وفقاً لاعتقاد ابن سلمان، لتزعّم المنطقة، وكبح جماح إيران ومحاصرة دورها الإقليمي تحت لافتة «إصلاح» الاتفاق النووي، ومنح «خليفة والده» ضوءاً أخضر للمضي في تكتيكاته المتصلة بأزمتَي اليمن وقطر إلى ما يشاء. بدوره، يدرك الأمير، الذي أضحت العلاقات في عهده مع الولايات المتحدة «أفضل من أي وقت مضى» على حد تعبير ترامب، ماهية المطلوب منه أميركياً: استثمارات بمليارات الدولارات تشمل قطاعات الأمن والدفاع والتنكولوجيا والتجارة والترفيه...، وتأدية دور مساعِد في تمرير «صفقة القرن» التي تعني عملياً تصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاحتلال الإسرائيلي واقعاً لا مناص منه.على ضوء المؤشرات الأولية التي صدرت عن لقاء ترامب - ابن سلمان، يبدو أن الصفقة ستسير وفق ما يشتهيها الطرفان. حاملاً رسوماً توضيحية تظهر عمليات الشراء السعودية للمعدات العسكرية الأميركية، أكد الرئيس، المحاصَر بكم هائل من الانتقادات والاتهامات، أن «العلاقة لن تشهد على الأرجح سوى مزيد من التحسن». وعلى الفور أوضح مقصده بقوله إن «هناك استثمارات هائلة في بلادنا، وهذا يعني فرص عمل لعمالنا». ها هنا إذاً الشقّ الأوّل من الصفقة، والذي يبدو أن ابن سلمان سيمضي فيه من دون نقاش، وفق ما أنبأ به «أول الغيث» الذي تمثّل في ضخّ 400 مليون دولار في شركة «أنديفور» لصناعة السينما في «هوليود». إعلان ستتبعه حتماً إعلانات أخرى بناءً على «خطة لاستثمار 200 مليار دولار بين البلدين»، طبقاً لما تحدث به ولي العهد الذي شدد على «(أننا) حريصون على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، ودعائم صداقتنا القوية».
في المقابل، أسمع ترامب، الذي لا يفتأ يهدّد بالانسحاب من الاتفاق النووي، ابن سلمان ما يطرب لسماعه: «إيران لا تتعامل مع العالم بشكل مناسب. الصفقة ستظهر خلال شهر وسنرى ما سيحدث»، في إشارة إلى الموعد المقرر لتجديد إعفاء إيران من العقوبات من عدمه (12 أيار/ مايو المقبل). تراهن السعودية، التي وصف وزير خارجيتها، عادل الجبير، عشية الزيارة، الاتفاق بـ«المعيب»، على إمكانية أن يسهم تهديدها بـ«القنبلة الذرية»، وإغراؤها المجتمع الدولي بالاستثمار في برنامجها النووي، في تقويض «الخطة المشتركة الشاملة»، بالاستفادة من «مغالاة» الرئيس الأميركي في معاداة إيران، التي وصف حكامها ليل الإثنين - الثلاثاء، بأنهم «يخدمون أنفسهم بدلاً من خدمة الشعب»، وحرسها الثوري بأنه «جيش معادٍ يقوم بأعمال وحشية ويسرق الشعب الإيراني لتمويل الإرهاب في الخارج». لكن دون المطامح السعودية عقبات عدة، لن تحول، على الأرجح، دون بلورة استراتيجية مشتركة لمواجهة طهران، تشمل، بحسب وسائل إعلام أميركية، ضغوطاً دبلوماسية وسياسية واقتصادية مضاعَفة على «الجمهورية الإسلامية».
هذا التعاون في «التصدي للمشروع الإيراني» سيتجلى، على الساحة اليمنية، تواطؤاً على إبقاء نزيف اليمنيين، ريثما تحين الفرصة المناسبة لوقف الحرب. فرصة لن تحين، في نظر السعودية قبل «إنهاء التمرد، وعودة الحكومة، وإكمال الخطوات التي أفسدها الانقلابيون»، وفي ما عدا ذلك فلتستمرّ الأزمة الإنسانية أعواماً! هذه الرؤية لا يبدو، إلى الآن، على الرغم من تصاعدات الانتقادات داخل الكونغرس وفي وسائل الإعلام وفي أوساط المنظمات الحقوقية للمشاركة الأميركية في عمليات «التحالف»، أن إدارة ترامب مستعدة للعمل بجدّ على تبديلها. وعليه فمن المستبعد أن يكون الرئيس الأميركي، ومعه صقور إدارته، قد باشروا ضغوطاً حقيقية على ابن سلمان لوضع حدٍّ للجريمة المتواصلة في اليمن.
تتعامل إدارة ترامب ببرودة مع أزمتي اليمن وقطر


التوقع نفسه ينسحب على الأزمة القطرية، التي جدّد الجبير، ليل الإثنين - الثلاثاء، وصفه إياها بـ«الصغيرة»، جازماً «(أننا) لسنا مستعجلين»، وأن حل هذه الأزمة «سيأخذ الوقت اللازم». إذ، وعلى الرغم من تأكيد مسؤولين كبار في إدارة ترامب أن الرئيس الأميركي لا يزال يريد الترتيب لعقد قمة أميركية - خليجية في واشنطن الربيع المقبل، وأنه يتطلع فعلاً إلى تسوية النزاع بين قطر وجيرانها، إلا أن سيد البيت الأبيض لا يبدو مستعداً للتفريط بما يسميها «صداقته العظيمة» مع ولي العهد السعودي من أجل إنهاء الخلاف الخليجي. من هنا، قد لا يكون الحديث في هذا الملف تجاوز حدود الطلب إلى الرياض، بـ«المونة»، إبداء مرونة أكبر تتيح ترطيب الأجواء ولو نظرياً. وإذا كان ذلك هو حال الأداء الأميركي في ما يتعلق بأزمتَي اليمن وقطر، فمن الطبيعي أن يكون أكثر سوءاً في ما يرتبط بملف حقوق الإنسان في السعودية، التي سبق لترامب أن قال إنه لا يريد «فرض القيم الأميركية» عليها وعلى غيرها من الدول التي تدعم السياسة الخارجية للولايات المتحدة، في مجاراة لوجهة نظر ولي عهد المملكة الذي يتذرع، لدى سؤاله عن الأوضاع الحقوقية، بأن «قيمنا مختلفة عن قيمكم».
بيت القصيد في ما تقدم كله تجليه مائدة العشاء بين ابن سلمان، و«صديقه الحميم»، مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنير، والمكلف من قبل إدارة ترامب بالإشراف على عملية السلام في الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات. الملف الرئيس على المائدة، «صفقة القرن»، التي لم تغاير إجابات ولي العهد السعودي على أسئلة الصحافيين بشأنها إجاباته على الأسئلة المتصلة بشخصيته وطبائعه: «أنا بطبعي دائماً إيجابي». هكذا قال، محاوِلاً تمويه الدور الذي تؤديه بلاده في المشروع الأميركي الذي يُراد فرضه على الفلسطينيين، بهدف دفعهم إلى الاختيار ما بين «الخطاب البغيض، والجهود الملموسة والعملية لتحسين نوعية حياتهم، وقيادتهم إلى السلام والازدهار»، على حد تعبير غرينبلات في تعليقه على وصف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، السفير الأميركي لدى تل أبيب، ديفيد فريدمان، بـ«ابن الكلب». بناءً على ما تقدم، وغيره الكثير من المعطيات، يمكن توقع ما ستحمله الأيام المقبلة في هذا الإطار، من اندفاع سعودي أكبر نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتشديد الخناق على الفلسطينيين بهدف حملهم على القبول بـ«الأمر الواقع».