الرباط | لم يتوقع أحد أن يعود أقوى حزب يساري في المغرب، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى صفوف المعارضة بعد 13عاماً قضاها في الحكومة، حيث فاجأ حلفاءه في الكتلة الديموقراطية برفض الدخول في حكومة يقودها الإسلاميون؛ وبغضّ النظر عن توقيت هذا القرار فإنه من دون شك يعدّ لحظة فارقة في مسار الحزب، الذي نالت منه سنوات الحكم أكثر مما أخذت سنوات الثورة والنضال والمعارضة. وبرّر الاتحاديون قرارهم، الذي أجمعت عليه القيادة المتمثلة في المكتب السياسي والقواعد في المجلس الوطني كما لم يفعلوا من قبل، بضرورة احترام ارادة الناخبين المغاربة الذين اختاروا بوضوح من يكون في الحكومة ومن عليه الاصطفاف في المعارضة. وأعلن القرار شيخ الاتحاديين، عبد الواحد الراضي، في دورة خاصة للمجلس الوطني للحزب يوم الأحد الماضي، مع أن الراضي تسلم الكلمة من دون أن يسلم من دعوات عائلة الاتحاديين له بـ«الرحيل»، فهو متهم إلى جانب عدد من كبار القيادات بجرّ الحزب إلى الهاوية. وقال الراضي في كلمته إنّ «هناك مشاريع اجتماعية متعدّدة للمستقبل علينا توضيحها، ومن مصلحة الوطن أن نتجنب الضبابية»، مضيفاً أن «حزبنا له قيم ومبادئ لا يمكن الاستغناء عنها، بإمكاننا أن نخسر حقائب في الحكومة أو مقاعد في البرلمان أو في أي موقع آخر لكن لا يمكن أن نخسر هويتنا»، رافضاً بشكل رسمي دعوة رئيس الحكومة المكلف والأمين العام لـ«العدالة والتنمية» عبد الإله بنكيران.ورأى الصحافي السياسي المغربي سامي المودني، في حديث لـ«الأخبار»، أنّ قرار الاتحاد الاشتراكي بالتحوّل إلى المعارضة يمكن أن يعبّد الطريق لتصالح الحزب مع جماهيره ونخبته المتكونة من الطبقتين العاملة والمتوسطة. لكن الأمر لن يكون بالسهولة التي يتوقعها البعض «فالانتقال إلى المعارضة لا يعني ببساطة العودة إلى صفوف الجماهير، فهو يحتاج إلى مجهود سياسي وتنظيمي وإنتاج فكري كبير وإعادة بناء هياكل الحزب»، بحسب المودني.
وفاجأ قرار الاتحاديين حلفاءه في الكتلة الديموقراطية (حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية) لتنطلق بعدها الأسئلة حول مستقبل هذا التحالف، خصوصاً أنّ الحزبين الآخرين يميلان إلى قبول المشاركة في حكومة الإسلاميين ويلومان الاتحاديين على عدم العودة إليهم قبل اتخاذ قرار كهذا. ومعظم من تحدثت إليهم «الأخبار» قالوا إن مصير الكتلة «التجميد والتعليق» من دون أن تنفرط خصوصاً أن العلاقة بين مكوناتها كان يطبعها الغموض وانعدام التنسيق.
بدوره، قال عضو المكتب الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي منير بنصالح في اتصال مع «الأخبار» إنه «يعتقد أن الوقت مناسب كي تعود الوردة إلى تربتها قبل أن تذبل إلى الأبد»، مضيفاً أن «المغرب اليوم يحتاج إلى اليسار بما هو مشروع اجتماعي حداثي تقدمي يحقق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، والاتحاد الاشتراكي لا يزال قادراً على بلورة قطب يساري تلتف حوله كل القوى اليسارية والتقدمية». وأشار الى أن «المشاركة في أي حكومة تعني نهاية تمثيلنا للحداثة وتعني تأكيدنا للهرولة نحو المناصب وعدم قدرتنا على التخلي عن رفاهية التسيير».
لكن عمر بلافريج، السياسي الاشتراكي المستقل، لا يرى أي دور إيجابي يمكن أن يلعبه الحزب في مستقبل المغرب.
خيار الاتحاد الاشتراكي بالاصطفاف في المعارضة دفع بنكيران الى إعادة التفكير في خياراته، والبحث عن أحزاب أخرى يمكنها الدخول في الائتلاف الحكومي، وإذا كان حزب الاستقلال الوطني المحافظ قد وافق في وقت سابق على المشاركة في الحكومة وشرع في مشاورات داخلية، فإن التردّد لا يزال سيد الموقف لدى حزب التقدم والاشتراكية بعدما قرر رفاقه الاتحاديون الرحيل إلى المعارضة، ولو أن التوجه العام لقياداته يسير في اتجاه القبول بعرض الإسلاميين.
وطرق بنكيران باب حزب الحركة الشعبية اليميني الذي كان جزءاً من تحالف الثمانية قبل أن يتراجع بعد نتائج الانتخابات. وعلى الأرجح أن تتشكل الحكومة من 4 أحزاب هي الإسلامي والوطني واليميني والاشتراكي.