لست بفاشل
ليس بفاشل من يفتح عينيه كل صباح ويخرج من بيته ليواجه العنصرية من أقرب المقربين. لا يا سيدي لست بفاشل، من يحمل 11 عاماً من الخبرة في اختصاصه، ويعمل خلف مشرب في حانة ما. تغرم يا سيدي بسيرتي المهنية حين تقرأها وتتلألأ عيناك، إن هذا ما أبحث عنه، ويكفهر وجهك ويسوّد حين ترى هويتي. لست بفاشل، ليس فاشلا من يحمل شهادة جامعية أولى والثانية صارت قريبة من متناول يده. لا لست بفاشل، لكنني فضلت أن أحب من يحملون هويتك، وفضلت أن أحب أرضك وأن أضع فيها ما أعرف على أن أطوف إلى لجوء جديد. لا لست بفاشل، لو أخذت من وقتك خمس دقائق فقط لتنظر أبعد من عمى بصيرتك العنصرية، لأدركت لماذا أنا هنا أمامك ولست أمام منضدة قنصل أو سفير. لا لست بفاشل، لكني حين وضعت سيرتي المهنية رسم يديك لمنصب إداري حولتها أنت إلى (طلب لعمل نادل)، فمن الفاشل هنا؟ أنا لأنني طلبت الوظيفة لديك، أم أنت لكونك فشلت في تقييم ما أنا قادر على فعله؟ لا لسنا بفاشلين، ولكن أنت وعنصريتك فرضت علينا أن نكون ما نكون. يا سيدي إن لدينا من الإباء ما يكفي ليقيت جسدنا بدل الطعام. فما العمل بنظرك؟ آه المطار، لكن هل تابعت أخبار العالم أخيرا؟ لا نحن لسنا بفاشلين. في «الغيتو» هناك أناس ينافسون العالم في طاقاتهم، لكنك ترفض أن ترى، تفضل أن تتمسك بعنصريتك، بدلاً من أن نعلو معاً. لا لسنا بفاشلين لكننا فلسطينيون، ونحن هنا معاً إلى أجل غير مسمى، فإما أن نحيا معاً أو تستمر في تهميشنا. هل قرأت أشعارنا يوماً؟ يقول درويش «إني إذا جعت آكل لحم مغتصبي» فهل تريد لنا ذلك حتى إذا ما انتفضنا تقف على منبرك وتصرخ: «هل رأيتم؟ هذا ما كنا نخشاه »!، وتتناسى كم مرة وقفنا أمامك وكم مرة قلت لنا « لا»، فنصير نحن الجلادين وأنت الضحية. لسنا بفاشلين، ويبدو انكم تناسيتم عندما كانت بيروت مصيفاً لأجدادي وحقولنا و بياراتنا هي فرص العمل التي يتهافت عليها أجدادك. هل نظرت إلى لوائح الشرف في جامعاتك؟ طبعا لم تتكبد العناء . هل رأيت أين الفلسطينيون منها، لسنا بفاشلين. الفاشل هو من يعيد السنة بـ 4 و يدفع والداه قسط الجامعة وتوظفه الوساطة أو أنت، أما نحن فنعمل ونكدح لندفع أقساطنا ونتخرج بجدارة، وبعدها نصل أمامك لنسقط في امتحان الهوية العنصري. عذراً درويش الآن أقول: سجل أنا « فلسطيني»، «لم» أتوسل الصدقات «يوماً» من بابك و« لن» أصغر «أبدً» أمام بلاط أعتابك.
طه سمّور

■ ■ ■

من الفاشل إذاً؟

عندما تقدّمتُ للعمل في الوظيفة التي أشغلها حالياً، شعرت بسعادة لا تُوصف، قلت «هذه هي وظيفة أحلامي، لن أتلقى فقط هذا الراتب المحترم بل سأستطيع أن أُساعد الناس أيضا»». كم كنتُ طفولية، إذ إنني لم أكمل أسبوعيّ الأول عندما سُئلت «هل أنتِ فلسطينية؟» ابتسمت ابتسامة صفراء، فكّرت « شكراً جنسيتي اللبنانية!».
إيّاك أن تحسب أن الفلسطيني في هذا البلد فقط مُعرضٌ للعنصرية، لا يا صديقي فاللائحة تطول، سوري، إفريقي، إندونسي، عراقي، آه صحيح، أتعرف أن العراقيين ممنوعون من التجوال داخل هذا البلد من دون إذن الأمن العام! لا تفاجأ، فحالهم أسوأ من حالك، هم ممنوعون من دخول والجامعات، يعملون بأزهد الرواتب بطرقٍ غير شريعة فقط كي لا يموتوا من الجوع، والسبب فقدان الأوراق الثبوتية. حالهم تشبه حال أهلك عندما لجأوا إلى هنا، سنة، سنتين، عشر سنوات بلا أوراق ثبوتية تثّبت أنهم يعيشون بيننا ويتنفسون معنا الهواء نفسه، أم تصدّق مماتهم إذا ماتوا! حتى اللبناني المناصر للقضية هو أيضاً يواجه العنصرية معظم أيامه، لن أعدد لك كم مرة سمعت عن ذاك أو تلك الذين رُفضوا من وظائف عديدة بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية، أنا نفسي واجهت أسئلة كهذه: « من أين أنتِ؟ ما هو دينكِ؟ هل تدعم القضية الفلسطينية؟ هل فكرتِ في ارتداء الحجاب يوماً؟» كلها أسئلة قابلتها بابتسامةٍ صفراء، وأكثر ما استفزني أن معظم من قابلوني لوظيفةٍ كانوا أجانب ليس لهم في هذا البلد ناقة ولا جمل ! أيعني إن كنتُ أُناصر القضية الفلسطينية أنني سأربط حزاماً ناسفاً أفجّر فيه مكان العمل إذا ما قُدمت إليّ ملاحظة لا تُعجبني؟ أم أنني سأحمل الرشاش وأصوبه نحو هذا المدير الأجنبي إذا ما كنتُ أناصر حزب الله؟ لا تعتب على من يمارس العنصرية تجاهك وتجاه غيرك، وخذ نصيحة مني: انظر إليهم جيداً، لن تراهم إلا جزيئات تعاني من رهاب الآخر، ليسوا إلّا أقليات تتحالف، تتنازع، تحب، تكره، تقتُل، وتُقتل فقط تحت شعارات «الله والوطن»، يا سلام، كلٌ له ربه وله وطنه داخل الوطن. عنصرية؟ لا ليست عنصريةً هذه، هذه أمراضٌ عقلية! فابتسم في وجههم وامض، فكم من شعبٍ لجأ إلى هنا وعانى من العنصرية، وكم من سنةٍ مرّت على هذا البلد واللاجئون يأتونه من هنا وهناك ولاتزال المعاملة ذاتها. كُلنا في نظر بعضنا البعض مجرد آخرين، نخاف من بعضنا يوماً، نُصلي معاً يوماً، نشرب الكأس معاً يوماً، ونموت من رصاص بعضنا في يوم آخر.
إيمان بشير