• هيئة مشتركة بين أطراف المعارضة • التدخل العسكري الخارجي وارد
• ممارسات السلطة حرّكت النوازع الطائفيّة

في مكتبه في قلب عاصمة الأمويين، يبدو اللقاء مع حسن عبد العظيم حالة استثنائية، ولا سيما بعد عودته إلى دمشق من جولة خارجية طويلة، وفي خضم حديث متصاعد عن مساعي توحيد المعارضة بين هيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي والمجلس الوطني


أعلنت هيئة التنسيق، قبل أيام، الاتفاق مع المجلس الوطني على عدة نقاط تمهيداً لمؤتمر المعارضة المزمع عقده قريباً. فهل يعني ذلك تجاوزكم لنقاط الاختلاف في ما بينكما؟

ــ في الأصل أُسّست الهيئة بهدف توحيد جهود المعارضة وكل القوى الوطنية في الداخل والخارج. ورغم قرار بعض الأطراف عدم الانضمام وآخرين لم يتمكنوا من التواصل معها، أُقرّت لاحقاً الوثيقة السياسية للهيئة، التي ضمت مختلف تيارات المجتمع السوري من القوميين الناصريين والتيارات اليسارية الماركسية والإسلامية والوطنية والليبرالية والبعثيين المعارضين، إضافة إلى عدد من ممثلي التنسيقيات وممثلي الشباب في الانتفاضية السلمية، لتجري لاحقاً محاولات في العاصمة القطرية الدوحة لتوحيد المعارضة (هيئة التنسيق مع ائتلاف إعلان دمشق والقوى الإسلامية ممثّلة بالتيار الإسلامي المستقل والإخوان المسلمين).
ورغم الاتفاق على بيان لتوحيد الأطراف، لكن الأخيرين لم يلتزموا بما جرى التوافق عليه مسبقاً، ليعلنوا من إسطنبول لاحقاً تأليف المجلس السوري الذي رحّبت الهيئة من خلال تصريحات عدد من ممثليها بتأليف المجلس الوطني واعتباره خطوة على طريق توحيد المعارضة، وأبدت استعدادها للتوحيد بائتلاف وطني سوري وفق رؤية سياسية تعمل على إنهاء الاستبداد الداخلي ورفض التدخل العسكري الخارجي وعدم الانجرار إلى التسلح والعنف والصراعات الطائفية والمذهبية، لما في ذلك من خطر على الانتفاضة الثورية والحراك الشعبي الشبابي، وتعريض البلاد لمخاطر كبرى.
ومع صدور مبادرة الجامعة العربية، كلّف المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي أعضاء المكتب في الخارج، ومنهم سمير العيطة وهيثم مناع، بالاتصال بالأمانة العامة وترتيب موعد للقاء مع وفد يضم ممثلي الهيئة في الداخل والخارج، وأبلغنا ليلة عيد الأضحى موعد اجتماعنا الذي كان يوم الأربعاء، حيث استمع الأمين العام للجامعة نبيل العربي إلى وجهات نظرنا في الأزمة الوطنية في البلاد ومطالب الانتفاضة الثورية وتصورات الهيئة لحل الأزمة من خلال عدم إعطاء النظام فرصة جديدة كي لا تزداد وتيرة العنف والقتل، وضرورة توفير آليات لتنفيذ ما ورد في البيان الوزاري والوثيقة النهائية التي وقّعت عليها سوريا لحماية المتظاهرين والمدنيين من العنف المتصاعد وزيارة السجون والمعتقلات والمشافي والمناطق للتأكد من سلمية الانتفاضة وعدم وجود عصابات مسلحة، كما يزعم النظام، فتفهّم الأمين العام دور الهيئة في الداخل والخارج وأنها تمثّل جزءاً مهماً وفاعلاً في المعارضة الوطنية.
وأبدينا في المقابل استعدادنا لتوحيد الجهود والتنسيق مع المجلس الوطني الذي زارنا في القاهرة وفد منه، وفهمنا منهم أنهم طلبوا من الأمين العام الاعتراف بهم ممثلاً للمعارضة، ليطلب هو بدوره أن يلتقوا الهيئة ويجري توحيد الجهود. وجرى الحديث عن تأليف لجنة تحضيرية تضم ممثلي الطرفين لوضع مشروع وثيقة سياسية تمثل التوافق على الحد الأدنى للرؤية السياسية المشتركة، لنعلم لاحقاً، إثر عودة الوفد إلى دمشق، أن المجلس وافق على تأليف لجنة تحضيرية لصياغة تصور مشترك ورؤية مشتركة لآليات التنسيق أو التوحيد، فكان المقترح تأليف هيئة مشتركة باسم مؤتمر وطني سوري يضم ممثّلي كل منّا وعدداً من الشخصيات المهمة، بحيث يشارك تحت إشراف الجامعة، فيما فضّل أعضاء المجلس التنسيق فقط من دون هيئة مشتركة، وهو ما سيتقرر في اليومين المقبلين في ضوء الاجتماعات الأخيرة، مع أننا في لندن التقينا المسؤولين البريطانيين، كلّ منّا على حدة.

كيف ترى المشهد السوري إثر التحرك العربي الأخير؟ وهل تتوقع وصول الملف إلى مجلس الأمن الدولي؟

ــ من المؤسف أن السلطة لم تستجب لمطالب الشعب في حل الأزمة سياسياً وترتيب عملية الانتقال إلى نظام جديد جمهوري برلماني تعددي تداولي ودولة ديموقراطية تتوافر فيها المشاركة السياسية لكل أطراف المجتمع السوري وأطيافه، ممن لم يشاركوا في العنف والقتل والفساد. وبذلك، ومع استمرار الضرب والاعتقالات، جرى تفويت فرصة الحل الوطني كما هي اليوم تفوّت الحل العربي. وبالتالي، فإن الجامعة العربية قد تلجأ إلى تدويل الأزمة بضغط من بعض أطرافها، وإرسال الملف إلى مجلس الأمن أمام إصرار السلطة على عدم الاستجابة لمطالب الجامعة وضغوطها السياسية والاقتصادية.

في ضوء حديث المسؤولين الغربيين عن مخاطر الحرب الأهلية، ما رؤيتكم للأمر؟ وما هي معطيات الحرب الأهلية على أرض الواقع؟

ــ إن ممارسات السلطة من قتل وتنكيل واعتقال باتت تهدد بردود فعل في بعض المناطق والمحافظات للدفاع عن النفس، كذلك تؤدي إلى ازدياد الانشقاقات في الجيش، لأن بعض العناصر والضباط يرفضون تنفيذ الأوامر بإطلاق النار على المحتجين، ما سيقود إلى اشتباكات بين الجيش والمنشقين ويحدث قتل متبادل. أضف إلى ذلك، فإن عمليات التعذيب الوحشية والممارسات الفئوية تؤدي إلى تحريك النوازع الطائفية والمذهبية وعوامل الحقد، وفي ذلك خطورة على التعايش والسلم الأهلي. كذلك فإن إصرار السلطة على عدم الاعتراف بالأزمة وجوهرها بأنها احتجاجات شعبية على السياسات الداخلية الخطيرة للسلطة، من شأنه أن يطيل استمرار العنف وتفاقم العنف المضاد والتسلح الفردي أو المجموعات المسلحة لمواجهة عنف النظام. كل هذا قد يؤدي إلى الحرب الأهلية، ويمهّد الطريق لتصاعد مطالب الانتفاضة الثورية، وللدعوة إلى طلب التدخل العسكري الخارجي من أجل الحماية من عنف السلطة، وهو ما سيقطع الطريق على الانتفاضة السلمية في تحقيق أهدافها.

هل تتوقع عملاً عسكرياً خارجياً أو إقامة منطقة عازلة كما بات يروّج لذلك بعض المعارضين السوريين؟

ــ من خلال لقاءاتي مع السفراء الغربيين، يمكنني تأكيد عدم وجود نية للتدخل العسكري الخارجي. لكن العنف والعنف المضاد، واستمرار هذه الحال، قد تؤدي إلى إنشاء مناطق عازلة للمدنيين والمنشقين من القوات المسلحة، إلا أن هذه المنطقة إن كانت على الأراضي السورية فإن السلطة ستضربها من باب انتهاك السيادة الوطنية، ما سيقود إلى تدخل عسكري إقليمي ودولي. وفي كل الأحوال، أنا مع توفير حماية عربية، حتى لو كانت على نحو قوات ردع عربية وإسلامية، على شاكلة تلك التي تدخلت في الحرب اللبنانية في السبعينيات.

كيف تقوّم الدورين القطري والتركي في الأزمة السورية وهما كانا من أقرب أصدقاء النظام؟

ــ لا بد من الإشارة إلى أن القطريين، منذ بداية الحراك العربي، نصحوا حكام دمشق بأن يجروا إصلاحات تضمن الانتقال إلى نظام ديموقراطي، لكنهم بدلاً من ذلك رأوا أنها مؤامرة أميركية صهيونية، وانقلبوا إلى مهاجمة قطر، وهو ما تكرر مع الأتراك الذين عملوا على استعدائهم وفتح ملفات الصراع القديمة معهم. ومن الطبيعي أن تهتم الدوحة للأزمة السورية، فاستثماراتها الضخمة في البلاد ستصاب بالضرر مع تدهور الحال السورية، ومن جهة أخرى فإن لقطر دوراً أساسياً في العمل العربي بغياب دول محورية كمصر سابقاً، ومع عودة مصر وتونس إلى العمل العربي المشترك، فإن دور الدوحة بات يتكامل مع باقي الدول الخارجة بنجاح من الربيع العربي.

كيف تقوّم دور الجيش السوري الحر؟ وهل تراه عاملاً مؤجّجاً للنزاع الأهلي، خصوصاً في ضوء العمليات الأخيرة ومقتل عشرات العسكريين؟

ــ هو بكل تأكيد سبب رئيسي في الانزلاق إلى الحرب. ففي البداية كان عبارة عن أفراد يتركون أسلحتهم ويهربون إلى الشعب، فكانت الأجهزة الأمنية تلاحقهم وتقتلهم ليتحوّل الأمر لاحقاً إلى هروبهم مع أسلحتهم، ما يقود إلى صدامات بين المنشقين والقوى النظامية، وهو أمر خطير يجب تداركه خشية إنشاء جيش مواز مدعوم من المواطنين المتضررين، وهو ما يعني التحول إلى صراع مسلح وحرب أهلية تتخللها صراعات طائفية. المطلوب، إضافة إلى حماية المدنيين، حماية المنشقين بحيث لا يضطرون إلى الرد على العنف تجاه المتظاهرين. فنحن نريد للثورة أن تحافظ على سلميتها ومدنيتها، ويبقى الجيش تابعاً لقيادة سياسية، لا كما يحصل في الدول العربية التي تعاني من هيمنة القوات المسلحة والعسكر بدل أن تحمي الحدود وتهاجم
إسرائيل.
إن هيئة التنسيق الوطنية لا تشجّع على الانشقاق ما لم تصل الأمور إلى حال الإرغام على إطلاق النار، وفي المستقبل لا بد من حل سياسي للانتقال من هذا الوضع القائم إلى نظام جديد كلياً.
في الوقت نفسه، من المهم الإشارة إلى بداية تسلل قوى أو مجموعات من خارج الحدود، إضافة إلى عناصر من الداخل للقيام بعمليات في المناطق المحاذية للحدود من خطف بعض المدنيين من طوائف معينة وأقليات وقتل بعض العسكريين من طيارين وغيرهم، وهو ما يضاعف من خطورة الحرب ويهدد السلم الأهلي ويجعل أطرافاً من الأقليات المذهبية والدينية تتوقف عن المشاركة في الحراك السلمي الشعبي خشية ظواهر كهذه، وسيطرة متشددين متعصبين على مستقبل البلاد، بدلاً من دعم قيام دولة جمهورية برلمانية ديموقراطية لجميع المواطنين من كل الانتماءات العرقية والطائفية والمذهبية، يُحترم فيها مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر الإرادة الشعبية.



يعدّ حسن عبد العظيم أحد أكبر معارضي النظام السوري ومن حامل الفكر الناصري. اعتقل أول مرة عام 1963، وأحيل على محكمة الأمن القومي آنذاك بتهمة معارضة أهداف الثورة، واعتقل ثانياً في السنة نفسها، ثم في سنة 1975 إثر خروج الحزب من الجبهة الوطنية التقدمية، واعتُقل لاحقاً إثر انتقاده مشاركة مصر وسوريا في حرب الخليج الثانية