كل ما يجري في المنطقة من حراك ليس سوى البديل من الحرب غير المستحبة، ويأتي في الشهر ونصف الشهر، الزمن الذي يسبق الانسحاب الأميركي من العراق. جملة تلخص قراءة إيران لأمور كثيرة في مقدمتها القرارات التي اتخذتها جامعة الدول العربية أول من أمس بحق سوريا. بنظرها، وكما بات معمّماً، انتهى زمن الحروب المحدودة الساحة والزمن. بات واضحاً للجميع، وخاصة للولايات المتحدة وإسرائيل، أن أي مواجهة عسكرية مقبلة ستكون إقليمية، والمعنى أنها ستكون مع إيران وسوريا وحزب الله (وربما «حماس») في جبهة واحدة. من هنا كان التكتيك الأميركي تكليف العرب بأداء المهمات القذرة. في النهاية، يبقى خيار كهذا الأقل كلفة، وخاصة أن تمويله من جيوب العرب.
على الأقل هذا ما تؤكده مصادر إيرانية وثيقة الاطلاع ترى أن قرارات الجامعة العربية حيال دمشق «أتت بناءً على توافق دولي سببه عجز أميركي أطلسي تركي عن المواجهة مع سوريا، فأوكل إلى العرب القيام بهذه المهمة. الشيء نفسه حصل مع إيران. لقد عجزوا عن مواجهة عسكرية معها، فكلفوا العرب بالوقوف في وجه إيران». وتضيف «نتوقع أن يحصل مع إيران ما يحصل حالياً مع سوريا، وعبر البوابة نفسها، أي العرب. لكن ممارسة هذه الألاعيب مع إيران ستكون أصعب، بحكم فارق الأحجام والظروف وقواعد الاشتباك، كلها عوامل تجعل تجميع العرب على إيران أكثر صعوبة من سوريا». وتتابع «كأن هناك استباحة للساحة السورية، مردّها الدفاع المستميت عن الكيان الصهيوني، فيما استباحة إيران صعبة للغاية بسبب خطورة الفضاء الإيراني والبيئة في الخليج الذي يمكن أن يشتعل ويؤدي إلى إخراج الأميركي من المنطقة كلها».
وتؤكد المصادر نفسها أن الأميركيين «يعتقدون أنهم قادرون على تضييق الخناق على سوريا، فيحصلون بالتالي على تنازلات من الرئيس بشار الأسد. هم يستهدفون العصب الاقتصادي والاجتماعي للنظام، فئة التجار ورجال الأعمال التي عجزوا عن قلبها ضد الأسد. هناك، في سوريا، يلعبون علناً ومباشرة. في النهاية الملعب صغير وكلفة المغامرات قليلة»، مشددة على أن «المتوقع أن يمارسوا مزيداً من الضغط السياسي والاقتصادي والمالي والتجاري والإعلامي لجرّ سوريا وحزب الله نحو فخ، أو ارتكاب خطأ ما يساعدهم على إثارة حرب داخلية، مذهبية أو عرقية أو مناطقية... الفكرة الأساس بالنسبة إليهم هي التفتيت من الداخل. يريدون إنهاك النظام السوري عبر محاصرته وتطويقه وتجويعه. بالنسبة إليهم، هذا أقل كلفة، لأن من يدفع التكاليف هم العرب». وتضيف «حتى التركي أخرجوه من المعادلة. صحيح أنه كانت هناك منافسة تركية قطرية على الملف السوري، لكن لولا الرعاية الأميركية لما نقل الملف إلى قطر. رأى الأميركيون أن فتنة عربية عربية أكثر سهولة من أن يتحول النزاع إلى عربي عثماني، ما يؤدي إلى تجميع العرب حول سوريا».
ورداً على سؤال عمّا ستفعله إيران لمساعدة سوريا، تجيب المصادر بأن «إيران لا تفعل شيئاً من دون استشارة وتنسيق وطلب لبناني وسوري. ما يطلبه السيد حسن والرئيس الأسد تقدمه إيران المستعدة للتضحية بالغالي والنفيس في هذه المواجهة»، مشددة على أن «الوقت لا يزال يعمل لمصلحة المقاومة. صحيح أن الوضع حساس، ولكنه ليس خطيراً ولا مأزوماً. الانفراجات محتملة جداً، ولكنها لن تحصل إلا بمفاجآت سورية، كأن ينهي الرئيس الأسد الوضع ميدانياً على المستوى الأمني، وقد يحصل ذلك خلال أسبوع حداً أقصى».
وترى هذه المصادر، رداً على سؤال بشأن استعجال الجامعة العربية اتخاذ قرارات كانت متوقعة بعد أسبوع حداً أدنى، وخاصة أن التصريحات عشية اجتماع القاهرة كانت تبشر بعكس ما حصل، أن السبب «قد يعود إلى تماسك محور المقاومة الذي لن يعطي الأميركيين شيئاً، كما أن شيئاً لم يتغيّر، لا في سوريا ولا في لبنان. في النهاية هم ينسحبون من العراق، ولا بد أنهم فهموا أن التكتيك السوري يقضي بكسب الوقت إلى حين انتهاء هذا الانسحاب. هناك عامل آخر. لقد حاولوا الحشد ضد إيران، لكنهم فشلوا في تجميع الخليج في هذه المهمة، فكان لا بد أن يحصل الانفجار في مكان آخر».
وبالنسبة إلى تصويت 18 دولة عربية على القرارات، علماً بأن الكثير منها أصدقاء لإيران وبينها دول خليجية، تجيب المصادر «هناك الخوف من انقطاع المساعدات، والذي فاقمه الخوف من أن يأتي الدور عليهم. هل من المعقول أن يهدد رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الجزائري بأن الدور آت عليكم؟». وعمّا إذا كان تصويت هذه الدول سينعكس على علاقة إيران بها، توضح المصادر أن «علاقات إيران الخارجية تحددها المعادلات الإقليمية والدولية وقواعد الاشتباك.
في هذا الموضوع، إن أقرب شيء إلينا هو قراءة (الأمين العام لحزب الله ) السيد (حسن) نصر الله. إننا ننظر إلى لبنان أولاً ثم إلى المسألة الفلسطينية فالسورية انطلاقاً من مبدأ الدفاع عن المقاومة. وفي ما يتعلق بهذا الملف، أي بمسألة وجود الكيان الصهيوني، فإن القرار بأن الحرب مفتوحة. لا مهادنة ولا ضوابط لقواعد الاشتباك. الكل يستعد للحسم، للضربة القاضية». وتضيف «أما العلاقات الإيرانية العربية، ومنها الخليجية، فتحكمها المعادلة الإقليمية والدولية المرتبطة بقواعد الاشتباك مع أميركا، وهنا هذه القواعد مختلفة»، موضحة أن «هناك قراراً ضمنياً أميركياً إيرانياً بأن تبقى قواعد الاشتباك تحت السيطرة. مع أميركا، القتال بالنقاط، أشبه بالبورصة». وتتابع «المبدأ في تعامل إيران مع العرب جميعاً هو المداراة، باعتبارهم جزءاً من المعسكر الغربي، غير مستقلين. المعركة ليست معهم بل مع الأميركي». وتختم المصادر قائلة «نحن نفرّق في علاقاتنا وردود فعلنا. في النهاية لسنا سوريا، وإن كنا متضامنين معها وفي جبهة واحدة، ونقف إلى جانبها حتى النهاية، ومعيارنا في ذلك قراءة السيد نصر الله».



«اجتهاد شخصي من زيباري»

تؤكد أوساط نوري المالكي، رداً على سؤال عن امتناع العراق عن التصويت على القرارات العربية ضد سوريا، أنه «كان اجتهاداً شخصياً لوزير الخارجية» هوشيار زيباري، مشيرة إلى أنه «على ما يبدو، وجد الجو متأزماً جداً داخل الجلسة، ورأى أن تصويت العراق بالرفض أو بالقبول لن يقدم ولن يؤخر، فكان أن اختار الامتناع عن التصويت».
وتؤكد المصادر نفسها أن «القرار كان برفض مشروع حمد بن جاسم، لأنه يفتح المجال أمام تدخل دولي غير محمود. بغداد مع الحوار والحل السلمي، الذي يؤدي إلى تغيير الأوضاع في سوريا، مع حفظ كرامتها ومكانتها ومنعتها. هذا المسار سيؤدي إلى تدمير سوريا، لن يحفظ وحدتها وسيؤدي إلى انتهاك سيادتها»، مشددة على أن «بغداد ومعها دول كثيرة، بينها المناهض لبشار الأسد، ليست مرتاحة لهذا المسار. دولة مثل قطر بصغر حجمها وتوجهاتها المشبوهة، لا قيمة لها سوى أنها تمتلك النفط وقناة الجزيرة، لا ديموقراطية فيها وسلطتها قامت على انقلاب، تسيطر على جامعة الدول العربية، وتعتقد أنها قادرة على تغيير الأنظمة. هذا المنطق غير سليم».