في الوقت الذي أكد فيه العديد من التقارير الإعلامية وجود توجّه لدى بعض القيادة السياسية الإسرائيلية، وتحديداً لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن إيهود باراك، بشن هجوم على إيران، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن الرجلين زارا خلال الشهور الماضية، كل على حدة، الزعيم الروحي لحركة شاس، الحاخام عوفاديا يوسف، سراً، لإطلاعه على «خطورة» البرنامج النووي الإيراني على إسرائيل. وفي التفاصيل، لفتت «يديعوت» الى أن باراك حضر الى منزل الحاخام مرتين، فيما أتى نتنياهو مرة واحدة خلال الشهر الحالي. وأكدت أيضاً أنهما طلبا التحدث إليه بسريّة، بحيث لم يبق في غرفة الاجتماع سواهما الى جانب يوسف وكل من رئيس «شاس» إيلي يشاي ووزير الإسكان أريئيل اتياس.
وزيادة في الحرص على عدم تسرب معلومات عمّا تم بحثه، حرص الجميع على إبقاء الهواتف النقالة خارج غرفة الاجتماع السري.
في المقابل، نقلت الصحيفة نفسها عن مسؤول في «شاس» قوله إن الموضوع الإيراني لم يكن الموضوع المركزي خلال الاجتماعات، وإنه تم إطلاع الحاخام على قضية الجندي، الذي أفرج عنه أخيراً من قطاع غزة، جلعاد شاليط، والجاسوس الإسرائيلي المعتقل في الولايات المتحدة جوناثان بولارد، فضلاً عن عدد من المواضيع الأخرى. لكن الصحيفة لفتت الى أن للحاخام المتشدد تأثيراً كبيراً على الخطوات التي تنفذها الحكومة، وأنه جُنّد في الفترة الأخيرة لإقناع الجمهور بتنفيذ صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس.
بموازاة الحراك السياسي والإعلامي في إسرائيل وتحذير العديد من المعلّقين، خلال الأيام والأسابيع السابقة، من إمكان مهاجمة إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، تناول محلّل الشؤون الاستخبارية في «يديعوت أحرونوت»، رونين بيرغمان، العقبات التي تقف أمام إسرائيل وتحول دون شن هجوم كهذا. ولفت الى أن كل من يُعنى بموضوع وجوب قصف المنشآت النووية الإيرانية، يوافق على أن الهجوم العسكري الإسرائيلي يجب أن يكون الخيار الأخير، وتحديداً في مرحلة ما بعد استنفاد كل الخيارات الأخرى، بدءاً بالعقوبات والحظر على تصدير المعدّات الأمنية، وانتهاءً بالضغط الدولي والعمليات الأمنية السرية لعرقلة تقدم البرنامج.
وبناءً على ما كشفه بيرغمان، فإن مغزى الجدل القائم الآن يتمحور حول ما إن وصلت إسرائيل الى اللحظة الأخيرة، أو لا. وأنه في كل الأحوال، من الواضح للجميع حجم الأخطار التي ينطوي عليها شن مثل هذا الهجوم، فضلاً عن أن كل الذين ينظّرون لضربة عسكرية لإيران، في إسرائيل يقرون بالسطر الأخير، وهو أن أي هجوم عسكري لن يتمكن في أحسن الأحوال إلا بتأخير البرنامج النووي الإيراني من 3 إلى 4 سنوات فقط، وخصوصاً أن إيران استخلصت العبر من تجربة المفاعل النووي العراقي الذي دمره سلاح الجو الإسرائيلي في عام 1981.
لهذا، نشرت إيران منشآتها النووية في أرجاء الدولة، إضافة الى أنه لا أحد يعرف كم منشأة نجحت إيران في إخفائها. كما أنها تحمي المنشآت المعروفة منها ببطاريات مضادة للطائرات تحرص على تطويرها من يوم الى يوم، واصفاً هذه البطاريات بأنها حالياً ليست جيدة، لكنها تمثّل تحديّاً جديّاً لسلاح الجو الإسرائيلي، انطلاقاً من الكمية الهائلة من الصواريخ. هذا الى جانب أن المواقع النووية هي من الأكثر تحصيناً في العالم، وبعضها مبني تحت الأرض. وقال «ليس واضحاً ما إذا كان استخدام القنابل الخارقة للتحصينات يضمن تدمير بعض الأنفاق».
وأشار بيرغمان الى ان أسرائيل تملك في النهاية قوة جوية محدودة، وليس بحوزتها حاملات طائرات، فضلاً عن أن المسافة بين قواعد سلاح الجو والمنشآت النووية تبلغ 1500 كيلومتر على الأقل، الأمر الذي يفرض عليها التزود بالوقود لمرة واحدة على الأقل، ونتيجة ذلك يرى بيرغمان أن أي هجوم إسرائيلي جوي سيكون قصيراً ومركّزاً على عدد صغير من المواقع.
أما لجهة العواقب والأثمان التي ستدفعها إسرائيل، فقد أكد بيرغمان أن من الصعب الافتراض بأن الهجوم سينتهي بصفر خسائر إسرائيلية. وحذر من أن أي هجوم سيواجه برد صاروخي من إيران وحزب الله الذي يملك نحو 50 ألف صاروخ، ومن الفصائل الفلسطينية من قطاع غزة، إضافة الى احتمال دخول سوريا في حرب إقليمية.
وحذّر بيرغمان أيضاً من أن هجوماً كهذا سيستدعي تنديداً دولياً واسعاً جداً بإسرائيل، الى جانب قطع العديد من الدول العلاقات معها، وأولاها دول عربية وإسلامية إلى جانب روسيا والصين اللتين تقيمان علاقات جيدة مع إيران. وأشار أيضاً الى أن الولايات المتحدة أوضحت لإسرائيل معارضتها الشديدة لمهاجمة إيران، وخصوصاً أن من شأن هجوم كهذا أن يؤدي الى رص الصفوف حول النظام الإيراني وهو ما يتعارض مع المصالح الأميركية.
بدوره، رأى إيتان هابر في «يديعوت أحرونوت» أيضاً، أنه لو كانت نتائج الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية مضمونة فلماذا التردد في إسرائيل، مؤكداً أن قادة الحكم في الدولة العبرية يدركون جيداً أن الأمر ليس كذلك. ولفت إلى أن عشرات السيناريوات المحتملة عُرضت أمامهم ولم يبق غير اتخاذهم القرار الأكثر مصيرية وصعوبة منذ قيام إسرائيل.
أما عن خلفيات الثرثرة الإعلامية حتى الجنون في تفاصيل واسعة لمسألة يجدر البحث بها في الغرفة المغلقة، فرأى أن ذلك يعود الى أنها تتعلق بحياة وموت كل واحد وواحدة منا، وأن النقاش أصبح جماهيرياً بالأساس، لأن الولايات المتحدة تعتقد بأنه لا ينبغي القيام بذلك، مشيراً الى أن أكبر ممثليها بدءاً من الرئيس (باراك أوباما) وما دون، حذّروا نتنياهو وباراك من أن لا يتجرأ على الإقدام على خطوة كهذه، وصولاً الى أن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، هرع على عجل قبل أسبوعين الى اسرائيل كي يكرر التحذير الأميركي.
وأكد هابر أنه من دون سكوت أميركي على الأقل، فإن أيدي اسرائيل ستكون (شبه) مقيدة. وشدد على ان كل قادة المؤسسة الأمنية السابقين والحاليين يرون في شن هجوم اسرائيلي على ايران، بمثابة كارثة وطنية، وخاصة أن الإيرانيين قد يشرعون في أعقاب ذلك في حرب تستمر سنوات وأجيالاً، وأنهم لن يضعوا سلاحهم الى حين إبادة اسرائيل.