صنعاء | تعيش المرأة اليمنية في ركن مُحصّن من الثقافة الاجتماعية بصفة عامة، والقبلية منها على وجه الخصوص، إذ لا يمكن مسّها أو الاقتراب منها باللفظ أو بالأذى المادي، حتى ولو كانت قد ارتكبت خطأ ما بحق أحد. فهذه مسألة عادةً ما تسوّى بين ولي أمرها والأطراف المتضررة منها. ويحدث أن تستنجد المرأة برجل يهمّ بالاعتداء عليها قائلة له: «أنا من بيت أهلك». فيكون هذا رادعاً له يوقفه عند حده. لكن يبدو أن هذا الأمر لم يعد قائماً على الأرض ولا مُطبّقاً بنحو عملي، بعدما تجاوزت الأحداث الجارية هذا العرف القبلي الحامي للمرأة من قوات رئيس النظام علي عبد الله صالح، الذي لم يعد يحترم أي خطوط حمراء أو خضراء في ما يخص القوانين أو حتى الأعراف القبلية الواقعة في مستوى المُقدّس بالنسبة إلى اليمنيين، وذلك بعد تكرار حوادث الاعتداءات على النساء من خلال رشّهن بمياه المجاري في المسيرات الاحتجاجية التي يخرجن فيها، وقذف البعض منهن بماء النار في حالات أخرى، وصولاً إلى إطلاق النار الحي عليهن وسقوط جرحى وقتلى في صفوفهن. كل هذا دفع مجموعة كبيرة من النساء المنضويات في صف الثورة الشعبية اليمنية، إلى الاستنجاد بالأعراف القبلية ملاذاً أخيراً، بما فيها لحماية مكانة المرأة وطلباً لاستعادتها وقايةً ما من الخطر الذي صار يشكله نظام صالح على حياتهن. «حرق المقارم» أو حرق تلك القطعة القماشية التي تضعها المرأة اليمنية والريفية منها على وجه الخصوص غطاءً للرأس، هي وسيلة قديمة لاستثارة النخوة القبلية، وطلباً لمناصرة الرجال لها من ظلم واقع عليها. هكذا، تحرق المرأة اليمنية المظلومة «مقرمتها» لتحقّق عدلاً تنشده، علماً أنه لا يمكن أن تعود خائبة بعد هذا الفعل، وفق الأعراف القبلية.
صباح أمس، قامت مجموعة كبيرة من نساء الثورة بالتجمع في وقفة احتجاجية بميدان الستين، وهو المكان نفسه الذي يأتيه نحو مليون يمني نهار كل جمعة لأداء الصلاة فيه منذ اندلاع ثورة الشباب اليمنية، بإحراق «مقارمهن»، في رسالة احتجاجية ضد «الصمت الدولي الممارس على أيدي نظام علي عبد الله صالح ضد النساء والأطفال»، بحسب البيان الذي صدر عن الوقفة الاحتجاجية. وأكد البيان نفسه أن «صالح لم يحترم العادات والتقاليد، ولم يحترم القوانين الدولية وقد خرج عن المألوف». وجاء في البيان أن نساء اليمن يرحبن بقرار مجلس الأمن (الذي يدعو الرئيس إلى تسليم السلطة فوراً)، لكن صالح تمادى وارتكب المزيد من المجازر ونطالب بتوجيه عقوبات رادعة ووقف تماديه».
وقد تفاوتت الآراء إزاء هذه الوقفة الاحتجاجية غير المسبوقة عبر الطريقة التي ظهرت بها؛ فقد اعترضت عدد من الثائرات المحسوبات على التيار اليساري المنضوي في صف الثورة، على اللجوء إلى الأعراف القبلية وسيلة لاستعادة الحقوق، لا اللجوء إلى الأطر القانونية. وفي السياق، قالت إحدى كوادر الحزب الاشتراكي اليمني، فضلت عدم الكشف عن هويتها، إن «من أهم الأسباب التي أدت إلى قيام هذه الثورة هو الانقلاب على العرف القبلي بما يمثله من تغييب لشريعة الدستور والقانون الذي أمعن علي عبد الله صالح في انتهاكه وتحييده». رأي يعترض عليه محمد المطاع، المنضوي في صفوف الثورة، رافضاً إظهار الأعراف القبلية بوصفها شراً دائماً، على قاعدة أنه «لا ينبغي النظر إلى الأعراف القبلية كأمور مناهضة للقواعد المدنية، بما أن الكثير منها يتماشى مع مفاهيم المدنية الحديثة ويدعمها، ومنها الوقوف مع الفرد المظلوم أياً كان جذره الاجتماعي الذي ينحدر منه».
لكن، في الطرف المقابل، ترى ليلى النابهي، وهي باحثة في شؤون المرأة، أن الاعتداءات الممارسة على اليمنيات لم تحدث فقط من طرف صالح ونظامه، و«لا ننسى أن أول حادث اعتداء على النساء في ساحة التغيير كان على أيدي بعض الجنود التابعين للفرقة أولى مدرع التابعة للواء المنشق عن الجيش النظامي علي محسن الأحمر»، وذلك في إشارة منها إلى واقعة اعتداء خطيرة تمت بحق عدد من الناشطات البارزات في المجتمع المدني اليمني أثناء خروجهن في مسيرة احتجاجية نسائية رافضة للخطاب الذي ألقاه الرئيس صالح في ميدان السبعين، وذلك قبل تعرضه لحادث محاولة الاغتيال. وفي ذلك الخطاب، قال صالح «إن ما يحدث من اختلاط (بين الرجال والنساء) في ساحة التغيير مخالف لقواعد ومقتضيات الشريعة الإسلامية».