ارتفع في الآونة الأخيرة منسوب الحديث عن قرب إقرار هدنة طويلة الأمد بين العدو الإسرائيلي و«حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس»، وفيما كانت الصحافة العربية أو التابعة لـ«حماس» هي التي تركز في حديثها عن تفاصيل اتفاق وشيك، ظلت بعض الصحف العبرية تنقل ما تنشره الأولى. لكن، للمرة الأولى منذ أسابيع، نفى المتحدث باسم مكتب رئيس حكومة العدو، عوفير جندلمان، يوم أمس، أن تكون إسرائيل تجري أي «لقاءات مع حماس، بصورة مباشرة أو عبر دول أخرى أو وسطاء».
ويبدو أن تصريح جندلمان يأتي رداً واضحاً على ما نقلته صحف حمساوية عن مسؤولين أتراك قالوا إن زيارة رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، كانت مرتبطة بالاتفاق المذكور، وخاصة مستشار رئيس الحكومة التركي أحمد داوود أوغلو، ياسين اقطاي، الذي توقع «إبرام اتفاق شامل بين حماس وإسرائيل يتضمن تثبيت التهدئة ورفع الحصار عن غزة»، لذا أشار المسؤول الإسرائيلي إلى أنّ المصالحة مع أنقرة «بعيدة المنال أيضاً».
ويتضح كذلك أن هذا النفي يمكن فهمه ببعده الحقيقي، أو أن تل أبيب رفضت بنوداً معينة، ما دعاها إلى النفي، كذلك يمكن فهم أن ثمة محاولة إسرائيلية للتملص من الظهور علناً في اتفاق كهذا والسعي إلى توسيط طرف ثالث.
في المقابل، تتصرف الفصائل الفلسطينية، وتحديداً «حماس»، كأن اتفاق الهدنة سيوقّع اليوم قبل الغد، بل ينتظر مسؤولو الحركة، ومعها «الجهاد الإسلامي» في غزة، موافقة المخابرات العامة المصرية على السماح لهم بالخروج من القطاع للقيام بجولة إلى بعض الدول العربية والإسلامية تتضمن: قطر، وتركيا، وإيران. تقول مصادر في «حماس»، إن «الهدف من الزيارة هو الترويج للاتفاق، بالإضافة إلى عقد جلسة للمكتب السياسي للحركة بحضور إسماعيل هنية الذي لم يحضر أي اجتماع بسبب وجوده في غزة».

الظاظا: نعمل
مع المصريين على ترتيب زيارة خارجية لوفد حركي

وأضافت المصادر، في تثبيت لرواية إعلام الحركة، أن «الهدنة التي يجري الحديث عنها مدتها خمس سنوات، كذلك اتُّفق على بناء ميناء عائم سيربط بجسر ممتد إلى شواطئ غزة»، على أن بنود الاتفاقية التي يروج لها الحمساويون تشير إلى أن «الفائدة الاقتصادية للميناء ستكون عالية، وعائدات الضرائب منه ستكون أكبر من عائدات معبر رفح». أما المشكلة الوحيدة التي تواجه إقرار الاتفاقية، فهي «عدم إرسال إسرائيل نصاً مكتوباً واكتفاؤها بالرد شفهياً على مطالبنا»، تقول المصادر الحمساوية، التي ترى في الوقت نفسه أن الاتفاق سيفتح باباً للمقاومة للتذخير ولإعادة بناء ترسانتها العسكرية.
وبشأن الزيارة الخارجية، أكد عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، زياد الظاظا، أمس، أن «الترتيبات لا تزال جارية لمغادرة وفد من الحركة في جولة خارجية عبر معبر رفح البري، لكنه رفض في حديث صحافي، الإفصاح عن الدول التي ستشملها جولة الوفد.
وبما أن إقرار اتفاق الهدنة يبدو قاب قوسين أو أدنى، أقله من الناحية الإعلامية، شنّ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أمس، هجوماً على «حماس»، قائلاً إنها تفاوض إسرائيل مباشرة.
في المقابل، رأى بعض مسؤولي الحركة أن هجوم عباس سببه ما «قاله له الإسرائيلي، وهي أنهم سيخففون الحصار عن غزة خوفاً من انفجار الوضع بسبب الضائقة المعيشية».
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه حركة «فتح» أن «الاتفاق بين حماس وإسرائيل التفاف على الشرعية»، أكد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، أن الحركة لن تقبل إقامة «دولة» في غزة مقابل هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل»، مضيفاً: «هناك أطراف (لم يسمها) تسعى إلى تشويه مواقف الحركة عبر التلميح بموافقة حماس على إقامة دولة غزة مقابل الهدنة مع إسرائيل». كذلك جدد هنية التزام الحركة «دورها في مشروع تحرير فلسطين». وقال: «لن نقبل بدولة تغطي مساحتها اثنين بالمئة من أرض فلسطين، فكل فلسطين لنا».
في غضون ذلك، أكدت حركة «فتح» أن الهدف الحقيقي من لقاءات بلير ــ مشعل في الدوحة، هو «تكريس للانقسام وفصل غزة عن باقي أراضي الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وضرب لوحدانية التمثيل الفلسطينية، ما ينسجم مع أهداف إسرائيل بعدم قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية». وقالت، في بيان، إن «الوثيقة التي حملها (طوني) بلير من (خالد) مشعل للترويج لحماس في الغرب تحت عنوان رفع الحصار مقابل التهدئة، مقابل تأجيل قضايا الحل النهائي وفي مقدمتها قضية القدس، سيؤدي إلى تهويدها وتصفية الوجود الفلسطيني فيها». وأشارت أيضاً إلى أن هذا «الاتفاق هو محاولة للالتفاف على الشرعية... وسيحول التمثيل الفلسطيني إلى ميليشيات مسلحة تتحرك للحصول على مصالحها ومكاسبها الخاصة».
على الصعيد الإسرائيلي، وقبل النفي الرسمي من مكتب بنيامين نتنياهو، نفى مصدر رسمي وجود «مفاوضات رسمية مع حماس»، لكنه أكد ضمنا وجود مثل هذه المفاوضات «من دون أن تحمل صفة رسمية أو أنها تجري بتكليف من نتنياهو». ونقل موقع «واللا» عن هذا المصدر قوله، إن مثل هذه المفاوضات لم تجر «عبر تركيا ولا عبر قطر، ولا عبر طوني بلير ولا عبر طرق أخرى»، مستدركاً: «حتى لو كان هناك جهات خاصة تقيم اتصالات مع حماس، فإن الأمر لا يجري من جهة نتنياهو».
(الأخبار)