القاهرة | يبدو أن أزمة جماعة «الإخوان المسلمين» المصرية على المستوى الإعلامي ليست إلا نتاجاً لأزمة سياسية ممتدة تزيدها عمقاً الخلافات بين الإطارات القيادية في الجماعة. فرغم استمرار البث لقناة «مصر الآن» حتى كتابة النص، فإن التسربيات الأخيرة حول القناة التي تعتبر متحدثاً رسمياً باسم الجماعة، كشفت عن أن الأزمة بين جناحي قيادات الجماعة (التاريخي والجديد) لا تزال مشتعلة تحت الرماد. تفجرت الأزمة الجديدة في توقيت متزامن مع ذكرى فض اعتصامي «رابعة العدوية» و«النهضة»، اللذين كانا البداية القوية للضربات الأمنية المتلاحقة التي وجهتها قوات الأمن ضد «الإخوان»، وهي الضربات التي أقصت الجماعة عن المشهد بصورة واضحة، خصوصاً بعد فشلها في استغلال التظاهرات التي أعقبت الفض في تحقيق أي مكاسب، وأخيراً العجز عن تنظيم تظاهرات تذكر في الذكرى الثانية. كل هذه الأمور صارت تزيد حجم الغضب داخل الصفوف الإخوانية، التي بات قطاع واسع منها يؤمن بتورط قيادات الجماعة في ما جرى لهم خلال العامين الماضيين.
الهدوء «الإعلامي» الذي حلّ على الجماعة بعد تصاعد الشقاق بين قياداتها خلال المدة الأخيرة، لا يعكس هدوءاً داخل الصف؛ فالخلافات بين الطرفين المحسوبين على الجناح القديم ومكتب الإرشاد القديم، والقيادات الجديدة التي شكلت مكتب «الإخوان» في الخارج، لا تزال كما هي. حتى إن اتفق الطرفان على وقف التصعيد والتراشق الإعلامي بينهما، مع بقاء الوضع على ما هو عليه، فالطرف المحسوب على مكتب الإرشاد الذي يمثله نائب المرشد محمود عزت (الصورة)، يسيطر على رؤوس الأموال، بينما يسيطر الطرف المحسوب على مسؤول مكتب «إخوان الخارج» أحمد عبد الرحمن، على المنافذ الإعلامية للجماعة.
وفي قضية «مصر الآن»، فإن المشكلات بدأت داخل القناة حتى قبل ظهورها إلى النور، في ظل رغبة القيادات القديمة في السيطرة والهيمنة عليها، في حين رفض العاملون ــ أغلبهم فروا من مصر بسبب المطاردات الأمنية ــ هذه الهيمنة، ثم دخلت قيادات إخوانية في الخارج لتجبر الطرفين على قبول تنازلات لكل منهما من دون أي ينجح أيّ منهما في فرض السيطرة كلياً.
رغم ذلك تتضارب المعلومات؛ فالمنحازون إلى محمود عزت وجناحه، يتحدثون عن حديث للقيادي جمال حشمت تكلم فيه عن الملك السعودي، تم اعتباره ضرباً لمحاولات الجماعة التقرب من الرياض أملاً في وساطتها عند النظام المصري لتهدئة مع الجماعة، فيما يتحدث المناوئون لعزت عن قرار فوقي للجماعة بغلق مصادر تمويل القناة، بعد إخفاقهم في تنحية تيار عبد الرحمن.
حاول الطرف الأول المحسوب على عزت توظيف تركيا التي تستضيف القناة والعاملين فيها، بزعمهم أن السعودية غاضبة من نقد ملكها سلمان، وأن أنقرة انحازت إلى الرياض في غضبها، خصوصاً مع ضعف الخطاب الإعلامي للقناة وبؤسه، وهو ما ردّ عليه أحد المقربين من «الإخوان» والحكومة التركية محمد زاهد جول، عبر «تويتر»، قائلاً إن «ما يشاع على لسان قيادات الإخوان بشأن طلبات تركية بإغلاق قناة مصر الآن هو الكذب بعينه... إذا تم إغلاق القناة فهو قرار من داخل الجماعة ولا شأن للأتراك به من قريب أو بعيد». ويبدو حديث جول أقرب من نظيره الإخواني المحسوب على القيادات الجديدة، الذي يؤكد أنه ليس هناك انزعاج تركي من القناة بقدر ما هو رغبة من جناح عزت في السيطرة على النوافذ الإعلامية للجماعة وإخضاعها لهيمنته عبر السيطرة على الصوت الرسمي الفضائي للجماعة.
في الوقت نفسه، نفت قيادات ومصادر إخوانية وتركية وجود توجّه داخل الحكومة التركية الحالية، التي يقودها حزب «العدالة والتنمية» برئاسة أحمد داوود أوغلو، يشير إلى تغيير في السياسة التركية تجاه «الإخوان المسلمين» المصرية، أو ممارسة ضغوط على قيادات الجماعة والكيانات المنبثقة عنها والموجودة على أراضيها للحدّ من نشاطهم. أما على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فيبدو الشباب ناقمين بشدة على قيادات الجماعة القديمة، بل إن الدعوات الساخرة بأن يرزقهم الله الشهادة ــ كناية عن تمنّي الموت لهم ــ ملأت الفضاء الافتراضي المصري. كذلك فإنهم يرفضون بشدة أي دور للقيادات القديمة في المشهد، وهو أمر يبدو صعباً بالنظر إلى هيمنة هذه القيادات على مفاصل التنظيم ومصادر التمويل، خاصة أن آلية صنع القرار واتخاذه داخل الجماعة تهمش القواعد كلية، وهو ما يرجّح إعادة اشتعال الصراع مرة أخرى بين الطرفين.