حتى وقت متأخر من مساء أمس، لم تُعلن النتائج الرسمية لانتخابات المجلس التأسيسي في تونس، التي أجريت الأحد الماضي. بيد أن حركة النهضة الإسلامية بقيادة الشيخ راشد الغنوشي أعلنت، نقلاً عن إحصاءاتها غير الرسمية، أنها حصلت على أكثر من 40 في المئة من مقاعد الجمعية التأسيسية الجديدة. وقال مدير الحملة الانتخابية للحركة عبد الحميد الجلاصي الذي أعلن النتائج من أمام مقر «النهضة» في تونس العاصمة، إن هذا يعني أن حركته أصبحت الآن للشعب التونسي وليس لأنصارها فقط.
وتابع الجلاصي أن الحركة ستشرع في أقرب وقت ممكن في إجراء سلسلة من الاتصالات والمشاورات «للوصول إلى مؤسسات ديموقراطية ممثلة لكافة أطياف الشعب التونسي»، مضيفاً بقوله «ولن نقصي أحداً عن مفاوضاتنا».
وتابع أن الحركة ستتعاون مع مجتمع الأعمال للنهوض بالأحوال الاجتماعية والاقتصادية. وأكد الحرص على بذل قصارى الجهد من أجل تأليف حكومة ائتلافية، معلناً أن الحركة هي حالياً بصدد إعداد حزمة من الإجراءات العاجلة التي تلبّي حاجيات الشعب التونسي.
وشدد أيضاً على حق الرأسمال الوطني في تنمية البلاد وإيجاد مواطن العمل و«الكسب والثراء المشروع»، قائلاً «نطمئن الأسواق والأطراف الدولية وكل الشركاء والفاعلين الاقتصاديين على كل مصالحهم في تونس وعلى الالتزامات التي أبرمتها الدولة التونسية».
وأعرب رئيس الحملة عن ارتياح قيادات النهضة للخطاب التوافقي لمجمل الطبقة السياسية التونسية، مشيراً إلى الحاجة الملحة في المستقبل إلى ثقافة سياسية جديدة يكون للمعارضة فيها حق الاحتجاج والاختلاف والتشاور.
وفي ردّه على استفسارات الصحافيين بخصوص زيارات رصدتها وسائل الإعلام أمس لكل من الأمين العام للتكتّل الديموقراطي من أجل العمل والحريات مصطفى بن جعفر، ورئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية منصف المرزوقي، ورئيسة المجلس الأعلى للحريات سهام بن سدرين، لمقر الحركة، أوضح الجلاصي أن هذه الاتصالات تأتي في إطار مشاورات تتعلق في جانب منها بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية.
زعيم حزب التكتل من أجل العمل والحريات (يساري)، أعلن من ناحيته أن «المشاورات بدأت مع كافة الشركاء السياسيين، بمن فيهم «النهضة»، وهي متواصلة في انتظار إعلان النتائج النهائية» للانتخابات، معرباً عن «استعداده لتحمّل أعلى المسؤوليات في حال حصول توافق».
وفضلاً عن نتائج انتخابات الداخل التونسي، جاءت حصيلة الأصوات التي حصدتها «النهضة» في الخارج مشابهة، بما أنّ الحركة المذكورة حصلت أيضاً على نصف المقاعد المخصصة لتونسيي المهجر والمقدّرة بـ 18 مقعداً. وفي فرنسا، حيث تعيش أكبر جالية تونسية (أكثر من نصف مليون شخص)، فازت «النهضة» بأربعة مقاعد من أصل العشرة المخصصة للجالية التونسية في البلاد، بحسب النتائج النهائية التي أعلنتها الهيئة الانتخابية صباح أمس. وأكد مسؤولون في الهيئة الإقليمية المستقلة للانتخابات أن «النهضة» هي أول فائز في الانتخابات في دائرتي فرنسا (شمال 33,70 في المئة) و(جنوب 30,23 في المئة) من الأصوات.
وحصل حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» (يسار وطني) الذي يتزعمه منصف المرزوقي على مقعدين بـ12,55 في المئة، بينما نال «التكتل الديموقراطي للعمل والحريات» (يسار) بزعامة مصطفى بن جعفر مقعدين أيضاً. أما «القطب الديموقراطي الحداثي»، فقد حصل على مقعد واحد، إضافة إلى مقعد للمرشح المستقل الهاشمي الحامدي.
أما على صعيد تطورات الداخل التونسي الذي دخل سريعاً في مرحلة مفاوضات مرحلة ما بعد الانتخابات، فقد سارع الفائز الأكبر، زعيم «النهضة» الشيخ الغنوشي، إلى الجزم بأن حركته «ضد احتكار السلطة والاستبداد، وبالتالي فإنها لن تنفرد بتسيير شؤون البلاد وحدها»، بحسب حديث إلى صحيفة «الشروق» الجزائرية نشرته أمس. وذكّر الغنوشي بأن «حركة النهضة ظلت تناضل دائماً من أجل وقف الاحتكار والاستبداد»، ملمّحاً في الوقت ذاته إلى وجود بعض التجاوزات المرتكبة ضد الحركة، لكنّه شدد على الاعتراف بالنتيجة «إن جرت بطريقة نزيهة».
في المقابل، أعلن رئيس الحزب الديموقراطي التقدمي (العلماني) نجيب الشابي أنه لن يشارك وحزبه في ائتلاف مع «النهضة». أما على صعيد ملامح المرحلة السياسية المقبلة على البلاد، فقد تحدثت مصادر تونسية لـ«الأخبار» عن ملامح خلاف بين رئيس الحكومة المؤقتة الباجي قائد السبسي من جهة، والجيش التونسي من جهة ثانية، بشأن الدور المناط بالمجلس التأسيسي المنبثق عن الانتخابات الأخيرة، وما إذا كان تأليف الحكومة المقبلة سيأخذ في الاعتبار التقسيمات التي أفرزتها الانتخابات، أو أنها ستكون حكومة تكنوقراط، فيما تنحصر مهمة المجلس التأسيسي فب إعداد الدستور الجديد.
وكانت الانتخابات التاريخية ليوم الأحد قد نالت ثناء العالم بأجمعه تقريباً، خصوصاً بعدما أكد مراقبو الاتحاد الأوروبي «شفافيتها»، رغم إشارتهم إلى «تجاوزات لا معنى لها» تخللتها عملية الاقتراع.
ولفتت البعثة الأوروبية إلى أن «هذه الانتخابات ترجمت الإرادة الواضحة للشعب التونسي في أن تحكمه سلطات منتخبة ديموقراطياً».
بدورهم، أشاد مراقبو المنظمة الدولية للفرنكوفونية بـ«التنظيم الرائع لأول انتخابات حرة وشفافة في تاريخ تونس»، كذلك أشادوا على نحو خاص «بالإقبال الكثيف للتونسيين عليها».
وحذت واشنطن حذو الاتحاد الأوروبي وروسيا وعدد كبير من زعماء العالم بتهنئة التونسيين على إنجازهم. وأشادت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأول انتخابات حرة في تونس، واصفةً إياها بأنها «مثال» يحتذى في المنطقة والعالم، ودعت المجلس التأسيسي الذي سيتألف نتيجة هذه الانتخابات الى العمل بشكل «مفتوح».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)