تجاهلت العديد من الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل الإنجاز الذي حققته حركة «حماس» نتيجة توقيعها على عملية تبادل الأسرى الأخيرة، وراحت تبحث عن أسباب أُخرى تبرّر وتفسر من خلالها ما عدّته «مرونة» الحركة الإسلامية، و«تنازلاً» منها عن بعض شروطها السابقة، ما كان يمكن العملية أن ترى النور من دونهما. وأورد المسؤولون الإسرائيليون، في معرض تسويقهم لعملية تبادل الأسرى مع «حماس»، أسباباً عديدة جعلتهم يُوافقون على إتمامها، وعلى دفعهم ثمناً باهظاً لم يسبق لأي حكومة إسرائيلية أن دفعته في أي من صفقات التبادل السابقة للأسرى مع مختلف فصائل المقاومة. ومن بين أهم التبريرات التي ساقها المستوى السياسي تحديداً، والتي وجدت صدى واسعاً في وسائل الإعلام العبرية، الحديث عن نجاح المفاوضين الإسرائيليين في دفع «حماس» إلى تقديم «تنازلات جوهرية» لم تقدمها في السابق، والتي ما كان يمكن من دونها أن تتكلل المفاوضات التي دارت بين الطرفين بالنجاح. وركّزت هذه المصادر السياسية والإعلامية على تليين «حماس» شروطها في نقطتين رأى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أنهما أساسيتان، وهما الموافقة على عدم الإفراج عن «رموز كبار» من قادة المعتقلين في السجون الإسرائيلية، من داخل «حماس» ومن خارجها، إضافة إلى الموافقة على مبدأ إبعاد عشرات المعتقلين المُحررين إلى خارج الضفة الغربية المحتلة. وقد دفعت موافقة الحركة على هذين الشرطين، العديد من المراقبين الإسرائيليين إلى تقديم مقاربة لموقف «حماس»، حاولوا من خلالها الإجابة عن السؤال المتعلق بالأسباب التي دفعتها إلى هذه «المرونة»، متجاهلين حقيقة الإنجاز الكبير الذي حققته الحركة الاسلامية بإنجازها هذه العملية. وتشير المقاربة الإسرائيلية إلى أن أهم ما دفع «حماس» إلى تقديم هذه التنازلات، هو الضغوط التي تمارسها عائلات المعتقلين الفلسطينيين عليها، إضافة إلى تطورات الأوضاع العربية، ولا سيما في مصر وسوريا، وإنجازات السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس جرّاء التوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ثمّ السعي إلى احتواء الأوضاع في قطاع غزة. وتحدثت العديد من التقارير الإسرائيلية عن تعرض «حماس» لضغوط كبيرة من جانب أبناء عائلات الأسرى الفلسطينيين، بما في ذلك في الضفة المحتلة، ولكن أساس الضغوط كان في قطاع غزة، الأمر الذي ساهم في إرغام قيادة الحركة على السعي الجاد للتوصل إلى نجاح عملية تبادل الأسرى مع إسرائيل. أما بالنسبة إلى تأثير «الربيع العربي» على القرار الفلسطيني، لفتت المصادر الإسرائيلية إلى أن الاضطرابات السياسية في الدول العربية ساهمت في التقدم بعملية الأسرى. من جهة ثانية، ساهمت الثورة في مصر في استكمال العملية، لأنه في فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، سادت حالة من التوتر الكبير بين السلطة في مصر وبين «حماس». وتكمل الرواية أنه الآن، بعدما تنحى مبارك، أصبح الحوار مع المصريين «أكثر سهولة». من جهة أخرى، ترى المحافل نفسها أن «زعزعة نظام الرئيس السوري بشار الأسد «مثّل حافزاً لإتمام العملية بالنسبة إلى حماس، وخصوصاً أنه في الأشهر الأخيرة، تزايدت التقارير التي تتحدث عن بحث الحركة عن نقل مقر مكتبها السياسي من دمشق إلى دولة أخرى»، مع ترجيح أن تكون القاهرة من بين الخيارات المفضلة لقيادة «حماس». وبحسب هذه الرواية الإسرائيلية، من الممكن الافتراض أنه على هامش عملية التبادل مع إسرائيل، حصلت الحركة على ضمانات بأنها ستتمكن من نقل مقرها في حال انهيار نظام الأسد. كذلك إن ردّ الحركة الإسلامية على الرؤية المصرية (الوساطة لتبادل الأسرى)، يمكنه أن يشجّع القيادة في القاهرة على السماح للمنظمة الفلسطينية بفتح مفوضية في عاصمتهم. ومن بين العوامل الأخرى التي أدّت إلى «تليين» موقف «حماس»، وفق المصادر الإسرائيلية، وجود مصلحة للحكومة الفلسطينية المقالة في غزة ترتبط بعلاقاتها مع مصر، «ففي حماس يحاولون التماسك أمام الحصار الإسرائيلي على القطاع عبر فتح معبر رفح كاملاً. ويمكن الأمر أن يساعد قطاع غزة كثيراً من الناحية الاقتصادية، وخاصة بسبب الجهود المصرية في الأشهر الأخيرة لمقاومة بنية أنفاق التهريب التي تزود حماس بالسلاح، وكذلك بالبضائع التي تحرك الاقتصاد الغزّيّ الممزّق. كذلك، إن موافقة حماس على العملية من شأنها أيضاً أن تحفز فتح معبر رفح على نحو كامل»، تكمل رواية الدولة العبرية.
وتتطرق القراءة الإسرائيلية لموقف «حماس» إلى نقطة أخرى مرتبطة بمنظومة العلاقات الفلسطينية الداخلية. وتشير إلى أن الإنجازات الدعائية والإعلامية الأخيرة التي حققتها السلطة الفلسطينية بشأن التوجه للأمم المتحدة، رفعت من قيمة السلطة شعبياً. وتتابع أنه «حين تشهد الضفة الغربية قفزة اقتصادية، فإن الوضع في غزة يعتبر صورة معاكسة تماماً، وتخشى حماس أن يتأثر تأييدها أو قد يكون تضرر بالفعل». في المقابل، لا يوجد شك في تل أبيب بأن إنجاز «حماس» بتحريرها أسرى من جميع الفصائل، بما في ذلك من حركة «فتح»، سيزيد من تأييدها الشعبي سواء في الضفة أو في قطاع غزة. وفي أعقاب هذا التأييد، ستستطيع حماس أن ترفع سقف مطالبها تجاه «فتح» في محادثات المصالحة الداخلية الفلسطينية.
وثمة من يعتقد أن الاتفاق مع «حماس» لإعادة الجندي جلعاد شاليط، هو مسمار آخر في نعش المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على قاعدة أن الرسالة للجمهور الفلسطيني هي أنَّ «طريق الصراع مع إسرائيل أفضل من طريق المفاوضات الذي يؤدي دائماً إلى طريق مسدود». ويُجمل هؤلاء المحللون الإسرائيليون نتيجة العملية بالمعادلة الآتية: «حماس انتصرت، جلعاد شاليط في منزله، والمفاوضات ماتت».