لم تجمع ليبيا ـــــ معمر القذافي بعراق ما بعد الغزو علاقة صحية يوماً؛ إذ ظلت طرابلس الغرب محط اتهام بغداد بتشجيع الإرهاب في بلاد الرافدين. ربما لذلك وقع نبأ مقتل القذافي بشكل خاص على مسامع العراقيين الذين تفاوتت ردود أفعالهم إزاء الخبر ما بين التذكير والتهنئة والمقارنات مع حدث إعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين شنقاً، مثلما لم تخلُ من الشماتة بالقذافي في بعض الأحيان. رسمياً، أصدرت الحكومة العراقية بياناً أعربت فيه عن أملها «أن تمثّل نهاية القذافي بداية مرحلة جديدة من الأمن والاستقرار والديموقراطية في ليبيا الشقيقة». وفي ما يتعلق بالقوى والشخصيات السياسية، أصدر حزب رئيس الوزراء «الدعوة الإسلامية» بياناً في المناسبة بارك فيه «للشعب الليبي الشقيق انتصار ثورته التي تكللت بقتل الطاغية معمر القذافي الذي حاول على مدى أكثر من أربعين عاماً كسر إرادة الشعب الليبي وتغييبها، ولكن إرادة الجماهير التي ثارت بوجهه كانت أقوى من طغيانه». وقد أثار هذا البيان استغراب الوسط الصحافي العراقي لما عُرف عن مواقف نوري المالكي المتحفظة على ما بات يُدعى «ثورات الربيع العربي» بحجة أنها «تُفرِح إسرائيل» على حد تعبيره قبل أسابيع قليلة. بدوره، حذّر الناطق باسم قائمة «العراقية» التي يرأسها إياد علاوي، النائب حيدر الملا، من أنه «على الأنظمة في المنطقة أن تأخذ الدروس والعبر من سقوط القذافي، فالعصر الذي نعيشه اليوم هو عصر الشعوب». وختم الملا تصريحه بتلميح للحكومة العراقية التي تشارك فيها قائمته، قال فيه إن «الشعوب لن تبقى صامتة على الحاكم حتى لو أنتجته الديموقراطية»، في إشارة فسّرها المراقبون إلى الانتخابات العراقية الأخيرة وحكومة الشراكة التي أنتجتها. في المقابل، طالب النائب عباس البياتي، الإعلام العربي بالاعتذار للعراقيين بعدما شوَّه وشوَّش على إجرائهم لمحاكمة علنية لصدام حسين، «بينما قتل الثوار الليبيون طاغيتهم من دون محاكمة وهو جريح ومن دون أن يسمع العالم منه ماذا جرى خلال أربعين عاماً من حكمه الديكتاتوري»، هذا رغم أنّ «جرائم صدام تفوق أضعافاً مضاعفة جرائم القذافي وإجرام هذا الأخير لا يمثّل سوى ربما 20 في المئة من جرائم صدام» وفق عباراته.ورغم أنّ عطلة أغلب الصحف البغدادية تصادفت مع الحدث الليبي الكبير، غير أنّ بعضها الذي صدر توقف عند الحدث؛ فقد نشرت «المدى» مقالة لعدنان حسين في الموضوع، قَرَنَ فيه القذافي بصدام حسين، فكلاهما «جعل من بلاده إمبراطورية شرّ عمّرت أربعة عقود لكنها لم تتأبّد». ولم تخلُ المقالة من الشماتة بطاغية «توافرت له كل أسباب التسلّط ووسائل التحكّم وطُرق الاستبداد من ثروات طائلة وجيش قوي وأعوان ومرتزقة، لكنه مع ذلك لم يستطع في نهاية المطاف أن يؤمن لنفسه وأولاده جُحراً في صحراء أو زريبة في قرية أو سرداباً في مدينة، فوقع صيداً سهلاً في أيدي الثوار». وانتهى الكاتب إلى تقديم نصيحة لعدد من أقطاب الحكم العراقي مفادها أخذ العبرة من درس مقتل القذافي، مسمياً بين هؤلاء المالكي وعلاوي والنجيفي وطارق الهاشمي ورافع العيساوي وآخرون، وقد غابت أسماء القيادات الكردية لأسباب أرجعها بعض المراقبين إلى حقيقة أن مالك الجريدة التي نشرت المقالة، أي فخري كريم، هو في الوقت نفسه كبير مستشاري الرئيس جلال الطالباني ووطيد العلاقة مع التحالف الكردستاني.
على صعيد مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت ردود الأفعال أكثر تنوعاً وحدّة؛ ففيما رثى البعض القذافي وعدّوه «بطلاً قومياً وثورياً قتله حلف شمالي الأطلسي وعملاؤه»، اتخذ آخرون مواقف معاكسة، مندّدين بالقذافي وطغيانه. ورأى الكاتب وديع شامخ أنّ العد التنازلي «بدأ لأفول مملكة القذافي بعدما قلّمت أجنحةَ قوات حلف الأطلسي قوته العسكرية»، مشيراً إلى أن العقيد الليبي، شأنه شأن الزعماء العرب الآخرين، «لم يتّعظ بدرس إعدام الرئيس العراقي السابق شنقاً». وفي السياق، ذكّر الكاتب بأن القذافي نفسه كان قد تحدّث، في مؤتمر القمة العربية بمدينة سرت الليبية حيث قُتل تحديداً، عن ضرورة الكشف عن ملابسات إعدام صدام حسين، ووجه كلامه إلى القادة العرب يومذاك بعبارته الشهيرة «الدور جاي عليكم».
وكتب ناشطون عراقيون العديد من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، ودخلوا في سجالات مع زملاء لهم من عراقيين وعرب. من هؤلاء مَن تبنى موقفاً مركَّباً هنأ فيه الشعب الليبي من جهة بسقوط نظام القذافي، ولكنه سجّل تحفظاته على الطريقة التي قُتل بها من أخرى، لافتاً إلى أن «الطاغية كان عدواً لكل ديموقراطي حقيقي، ولكنَّ احترام شجاعته وتعهّده بالقتال حتى الرصاصة الأخيرة وصدقه في عهده يوجب التعامل معه بشهامة وفروسية ترفض قتله بتلك الطريقة الشنيعة والتنكيل بجثته تحت راية وحماية الحلف الأطلسي عدو الشعوب».