لا يزال الاتفاق الموقع بين تل أبيب وحماس يشغل الإعلام العبري. آخر ما خرج به الإعلام الإسرائيلي كان ما كتبه محلل الشؤون الاستخبارية لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، رونين برغمان، الذي عرض رواية المفاوضات طيلة خمس سنوات، مدعياً أنَّ حركة «حماس» لم تطالب بـ«جدية» بتحرير مروان البرغوثي. كذلك بيّن برغمان أن مسؤولين في الاستخبارات الاسرائيلية يرون أنَّ الاتفاق فرصة لـ«اتصال أول» بين إسرائيل و«قادة القطاع» (غزة).
وكتب برغمان في الصحيفة الإسرائيلية أنه خلال فترة أسر جلعاد شاليط، لم تعرف الدولة العبرية مكانه، فكان من غير الممكن دراسة «عملية عسكرية»، مضيفاً أن الغاء الخيار العسكري كان نتيجة لحرص حماس على أن تكون حراسته بواسطة مجموعة صغيرة جداً لم تستبدل طيلة فترة الأسر، وحافظ أعضاء هذه المجموعة على السريّة التامة، ما صعَّب على الاسرائيليين العثور على الجندي الأسير.
بعد شهور من أسر شاليط دخل المصريون إلى حيّز التفاوض، وعندها تم تحديد حجمها، بموجبها، تطلق إسرائيل سراح 450 اسيراً فلسطينياً في المرحلة أولى، وفي المرحلة الثانية 550. في آذار من العام 2009 صاغ المصريون اتفاقية. رئيس الموساد مائير دغان، ورئيس الشاباك يوفال ديسكين، عارضا اتمام العملية في حينه وصولاً الى نهاية ولايتهما عام 2011. وبحسب المعطيات التي قدّمها الشاباك الإسرائيلي، فإن من ضمن 364 أسيراً تمّ تحريرهم في الاتفاق مع حزب الله في العام 2004، تم اعتقال 30 في المئة منهم مجدداً. كذلك قال الشاباك انه اعتقل 48 في المئة من ضمن الـ238 أسيراً الذين اطلق سراحهم الى الضفة الغربية اثناء عملية جبريل عام 1985.
كانت هناك محاولات عديدة لإتمام العملية، غالبيتها انفجرت. كان ابرزها في شتاء العام 2009، وانفجرت المفاوضات من بعدها. لكن الامور تجددت بنحو جدي مع نهاية العام 2010، ذلك العام الذي اتصف بغالبيته بأنه دون تقدم. في منتصف شهر كانون الثاني من العام 2011، بدت عملية تبادل الأسرى بين حماس والدولة العبرية قريبة جداً. وقالت الصحيفة الإسرائيلية إنَّ الوسيط الألماني، جيرهارد كونراد، أعدّ مسودّة اتفاق بين الجانبين وقدّمها إلى حماس، مانحاً الحركة متسعاً حتى بداية شباط 2011 للموافقة، مهدداً بأنه إذا لم يتم توقيع المسوّدة فإنّه سيستقيل. لكنّ المتغيرات الاقليمية قلبت الأوضاع السياسية. حيث حدث ما لم يتوقعه كونراد ولا الاسرائيليون ولا حتى الاستخبارات المصرية ورئيسها عمر سليمان، حين خرج المصريون إلى الشارع وأسقطوا نظام حسني مبارك. في تلك الفترة، وبحسب الصحيفة، رأى قائد الذراع العسكرية لحركة حماس، أحمد الجعبري، الذي يشرف شخصياً على أسر شاليط، ضرورة الانتظار. وقالت الصحيفة الإسرائيلية إنَّ الجعبري قال لمساعديه: «يجب متابعة كيفية تطوّر الأمور. من الممكن الآن الحصول من إسرائيل على الكثير».
وقال برغمان إنَّ مسار الاتفاق الموقع أخيراً يرتكز أساساً على المسوّدة التي أعدّها كونراد بداية العام الماضي، مشيراً إلى أنَّ العملية عموماً، لم تجر فقط من خلال قنوات سياسية وأمنية رسمية، بل كانت هناك مبادرات شخصية، إحداها من الناشط الاسرائيلي غرشون بيسكسن، الذي كان على اتصال بالقيادي في حركة حماس غازي حمد، ولعب دوراً مركزياً على مدار خمس سنوات بين حماس وإسرائيل وفي الاتفاق الاخير.
بعد سقوط النظام المصري استؤنفت الاتصالات ثانية. كانت الدورة الأولى من المحادثات في القاهرة، في أيلول الماضي. أما الدورة الثانية فكانت في تشرين الأول. وقال برغمان إنّ المصريين، بقيادة وريث عمر سليمان، «لم يضغطوا فقط على حماس مستغلين تأثيرهم على قادتها، بل فعّلوا ضغوطاً قاسية من أجل التسوية على نقاط الخلاف المركزية، وقد وجدت إسرائيل حلاً لواحدة منها (أي النقاط الخلافية)». واضاف: «تبيّن أن من الممكن تحرير عرب إسرائيليين (فلسطينيو 48) كبار في السن، بما يرضي حماس». ورأى برغمان أنَّ هذا: «كان تجاوزاً للخط الأحمر بالنسبة (إلى رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين) نتنياهو، لكنه لا يشكل خطراً أمنياً».
وعلى هذا الصعيد، يذكر أنَّ الدولة العبرية تحاول دائماً أن تدّعي أن الأسرى من فلسطينيي الـ 48 «شأن داخلي» أو «خط أحمر»، وقد كانت هذه الصفقة قاسية على العشرات منهم، وخصوصاً أنه لم يحرر منهم سوى خمسة أسرى، علماً بأنَّ الغالبية الساحقة بقيت في السجن، وهم اليوم الأسرى القدماء في السجون الاسرائيليين ومنهم من قضى ما يقارب الـ30 عاماً.
وادعى برغمان، في تقريره، أنَّ حماس «وخلافاً لما قالته» لم تطالب «بنحو جدي» بتحرير مروان البرغوثي، مدعياً أن حركة حماس «تخشى من قوة القائد العلماني».