طرابلس | في الوقت الذي شُغل فيه الليبيون بتداعيات مقتل معمر القذافي وأبنائه ووزير دفاعه، انتشرت عبر الإعلام صوره وهو جثة، لتتبعها أخرى لوزير دفاعه أبو بكر يونس، ثم مقاطع فيديو للعقيد الراحل وهو في مصراتة جثة هامدة، وأخيراً صور لجثة نجله المعتصم. ورغم أن هذه الصور كانت الحد الذي حسم مقتل الطاغية ومن معه، غير أنها على المقلب الآخر أثارت ردود فعل متباينة ما بين تأييد ورفض لهذا السلوك. هكذا، يتحدث عمر يونس، وهو شاب ليبي يدرس الهندسة في طرابلس، عن استيائه الشديد لنشر صور القذافي بهذه الطريقة، على قاعدة أن للأموات حرمتهم، وأن مشهد الجثث الذي أصرّت بعض الفضائيات على بثه طويلاً يُعدّ انتهاكاً لحرمة النفس بغض النظر عما فعله العقيد في حياته. ويرى يونس أن المشاهد التي ظهر بها الثوار وكأنهم يسحلون القذافي، ثم يطلقون النار، هي مشاهد لا تدل إلا على حقد دفين، «لكنني أتفهم الحال التي كانوا فيها وخاصة أن بينهم من فقد أهله وأقرباءه برصاصات أو تعذيب العقيد، حتى أنني لم أكن إلا لأفعل الشيء نفسه لو كنتُ مكانهم».
ولعل هذا الرأي يتفق مع ما يقوله المحامي الليبي عبد الله أحمد عن أن هذه الصور كان لا بد من الاشارة إليها، وخصوصاً بعد أنباء سابقة عن إلقاء القبض على أركان من النظام البائد، تم تكذيبها سريعاً. حجة لا تمنع المحامي من انتقاد إطالة بث هذه المشاهد عبر الشاشات من جهة، وعرض مشاهد اعتقال القذافي ثم اعدامه من جهة أخرى، وخصوصاً أن هذه الصور والتسجيلات «أعطت اشارة واضحة إلى كل من يراقب الشأن الليبي تفيد بأن البلاد مقبلة على حالة من تصفية الحسابات عنوانها الاساسي الحقد تجاه كل رموز العهد البائد». وبرأي المحامي أحمد، كان ينبغي أن تكون هناك قيادة حكيمة تقدم القذافي للعدالة، وليس الاعدام بدون محاكمة، «لأن شعار ليبيا الجديدة يجب أن يكون سيادة القانون والديموقراطية، وهذا ما أخشى فقدانه». وبين آراء الشارع الليبي حول مشاهد مقتل الزعيم الراحل وأعوانه، يبرز من يؤيد صراحةً قتله على يد الثوار. هكذا يتحدث وليد جلالي، وهو أحد من شاركوا في دخول طرابلس في آب الماضي، عن دعمه لقتل القذافي لكن من دون التمثيل بجثته على حدّ تعبيره. أما عن إعدامه، فيرى أن سببه هو «حالة القمع وجنون العظمة التي جعلت القذافي يقمع شعبه بطريقة قلّ أن يشهد العالم لها مثيلاً، فما بالك أن من ألقى القبض عليه هم أبناء مصراته الذين نكّل بهم أشد تنكيل». ويشير المقاتل إلى أنه «لو بقي القذافي حياً وسيق إلى المحكمة، فإن القضية ستطول، ولنا في محكمة الرئيس المصري حسني مبارك خير مثال، هذا إن لم يتمكن من الهرب»، يضيف جلالي. في المقابل، يجزم الشاب بأنه لا يؤيد التمثيل بجثته، «فالعالم لن ينظر ايجابياً إلى ذلك السلوك».
وفي السياق، لا تزال صور مقتل وزير الدفاع أبو بكر يونس تثير جدلاً لجهة إصرار المحطات الفضائية على عرض جثته بطريقة «تحطّ من الكرامة الانسانية» على حد تعبير معتز، الممرّض في أكبر مستشفيات طرابلس. إضافة إلى ذلك، يستغرب الشاب المظهر الذي بدا عليه يونس، في تشكيك ضمني في هويته الحقيقية. ويقول عن هذا الموضوع إن يونس كان في العقد السابع من عمره، فيما يبدو الرجل الميت في الصور التي بُثَّت أقرب إلى الخمسين من العمر، ويبدو جلياً أنه متوفى قبل أيام، ولم يقتل ضمن معركة سرت الأخيرة. حتى أنّ معتزّ يرى أن الشخص الذي قيل إنه الوزير يونس لا يبدو انه كان برفقة القذافي، ويُرجح أنه قتل قبل أيام.