دمشق | يقف الطالب أمام زملائه في المدرسة، مردداً الشعار كل صباح: «أمة عربية واحدة»، ليرد عليه زملاؤه: «ذات رسالة خالدة». هكذا يستيقظ كل يوم طلاب المدارس السورية على منهاج «طلائع البعث» في ترسيخ مبادئ الحزب وأهدافه في عقول الطلاب منذ نعومة أظفارهم. مرحلة «طلائع البعث» تمتد من الصف الأول إلى الصف السادس، لينتقل بعدها التلميذ إلى منظمة شبيبة الثورة ليكمل هذه المسيرة إلى المرحلة الجامعية في الاتحاد الوطني لطلبة سوريا.في سنة 2011، بدأ يحدث تغيّر في هذا الطريق الذي يسير عليه الطالب في سوريا. ليس تغييراً في المناهج، بل في الحياة الدراسية لكثير من الطلاب، حتى أصبح طلاب «طلائع البعث» وطلاب المعارضة هم صورة مصغرة للأزمة التي تمر بها البلاد.
في أحياء كثيرة لا تزال صيحات «البعث» تصدح من باحات المدارس، وخصوصاً في المناطق التي لا تزال بعيدة عن التظاهرات اليومية مثل دمشق وحلب، وفي أحياء أخرى بعيداً عنها طلاب ينادون «بوقف التدريس حتى إسقاط الرئيس»، تعبيراً عن تضامنهم مع أهلهم في المنطقة، مثل درعا، بالإضافة إلى إحراق الكتب المدرسية في مناطق مختلفة.
يدرك الجميع، في نظرة موضوعية، أن ترديد الطلاب شعارات «البعث» ليس نتيجة إيمانهم بهذا الفكر، فالطفل في عمر التسع سنوات لا يستطيع أن يقرر ما هي العقيدة السياسية التي يجب أن يتبعها في حياته، في المقابل ليس من الممكن أن يطالب أطفال بالتعددية السياسية وإسقاط النظام نتيجة الأفكار السياسية التي يمتلكونها ويبنون عليها موقفهم. ومن هنا يكون الأطفال انعكاساً للبيئة التي يعيشون فيها فيتأثرون بالكلمات التي تتردد من حولهم من دون التفكير بمعانيها، فقد تغيرت أسماء الألعاب، فالشرطة والحرامية أصبحت المندسين والجيش، إن كان الأطفال من عائلة موالية للنظام، وإن كانوا من عائلة معارضة فالاسم يصبح الشبيحة والثوار.
بناءً عليه فالتربية التي يتلقاها الأطفال تتمحور في تقسيم المجتمع إلى طرفين من الصعب الحوار بينهما، والاتهامات المتبادلة بينهما تدخل في قاموس التخوين. وقنوات إيصال هذه الكلمات للأطفال عديدة من العائلة والمحطات الفضائية والأصدقاء والمدارس. لقد تلقى أطفال سوريا حزمة من الأفكار السياسية والشعارات تغطي عشرات السنين من الغياب. المشكلة تكمن في أن هذه الحزم من الأفكار ترسل بطريقة عشوائية، لا هدف منها غير الدعاية الإعلامية يستغلها الطرفان كل واحد على طريقته.